القصة في مجلات الأطفال
بقلم : أمل حمدي دكاك
تكمن مشكلة البحث في التباين الملحوظ بين الجهود التي تبذلها المؤسسات التربوية والتعليمية لتوجيه الأطفال وإكسابهم القيم الاجتماعية والاتجاهات السلوكية من جهة، وبين الاتجاهات المحققة بين الأطفال بفعل تواصلهم مع البيئة المحيطة، والشروط الاقتصادية والاجتماعية السائدة. فتأتي النتائج المرجوة في تنشئة الطفل على غير ما هو متوقع في كثير من الأحيان، بحكم تنوع الأسباب المؤثرة في عملية التنشئة ذاتها، والتنوع الكبير في الظروف الاجتماعية المرافقة لهذه العملية.
وتعد القصص المنشورة في مجلات الأطفال واحدة من الأساليب الفعّالة في عملية التنشئة الاجتماعية، فهي تعمل على إكساب الطفل القارئ مجموعة من القيم والاتجاهات والأفكار واللغة وعناصر الثقافة والمعرفة تسهم في تكوينه على نحو يختلف تماماً عن الطفل غير القارئ.
وتحتل القصة مكانة متميزة عند الطفل تفوق الأنواع الأدبية الأخرى، بما تمتلكه من قوة تأثير ومتعة لا يملكها غيرها من الأجناس الأدبية الأخرى الموجهة إلى الطفل.
ويعود مصدر هذه الأهمية إلى أن القصة تعبر عن حاجة الأطفال إلى الاستطلاع ورغبتهم في معرفة العالم المحيط بهم، وتعكس القصة أسلوب حياة الجماعة التي يهيئها الكبار لعالم الأطفال، لهذا فهي ترمز إلى موقف أعضاء المجتمع من أساليب التنشئة الاجتماعية واتجاهاتهم نحوها.
إن القصة، تلك الحكاية القصيرة التي تتضمن غرضاً تربوياً أو فنياً أو أخلاقياً أو علمياً أو لغوياً أو ترويحياً، والتي تعد وسيلة من وسائل نشر الثقافات والمعارف والعلوم والفلسفات هي من أشد ألوان الأدب تأثيراً في النفوس، وخاصة الأطفال إذ تتضمن تلك المثيرات الباعثة على تشكيل سلوكهم وتكوين شخصياتهم.
وعلى هذا الأساس يمكن فهم السبب الذي يجعل القصص الموفّرة للأطفال في سورية مسألة مهمة في تكوين شخصياتهم وتحديد سلوكهم وتوجهاتهم وماهية أفكارهم في مرحلة نضجهم المقبلة، إلى جانب كونها قضية مهمة على الصعيد الاجتماعي والقومي والإنساني، فللقصة أهمية في تنشئة جيل عربي قادر على صنع مستقبله وتحقيق أهداف أمته المنشودة. ولهذا كله تشكل القصص الموفرة في سورية بما تعكسه من قضايا على الأطفال مسألة مهمة تتطلب بحثاً علمياً جاداً يكشف عن الدور الذي تؤديه القصة في التنشئة الاجتماعية. وللوقوف على حقيقة تلك المتغيرات المتنوعة الثقافية والظروف البيئية المؤثرة في نوعية تلك القصص. ونظراً إلى اتساع إطار البحث وتعدد قصص الأطفال المطبوعة وتنوعها سواء أكانت رسمية أو غير رسمية فإن البحث الحالي يركز على القصص القصيرة المنشورة في مجلات الأطفال المتداولة المحلية (أسامة، الطليعي)، والعربية (سامر، أحمد، سمير، علاء الدين، ماجد).
والسؤال المطروح هل تؤدي القصص المنشورة في مجلات الأطفال دورها في التنشئة الاجتماعية والثقافية للطفل؟ وفي ضوء هذا تم اختيار مشكلة البحث "دور القصة في تنشئة الأطفال اجتماعياً. على اعتبار أن الدراسات التي تناولت هذه الإشكالية لم تول اهتماماً بالمجلات وما تحمله من رسالة ثقافية وتربوية موجهة باستمرار إلى الطفل، وهي بالتالي أكثر تأثيراً في بناء شخصيته وتنشئته الاجتماعية ورفده بالزاد الثقافي. ولم تبحث تلك الدراسات في الدور الذي يمكن أن تؤديه القصص المنشورة في هذه المجلات في تنشئة الأطفال.
لهذا فإن اختيار البحث يأخذ أهميته من ناحيتين: الأولى أنه يحاول سد النقص من خلال معرفة الدور الفعلي للقصص المنشورة في مجلات الأطفال في عملية التنشئة. والثانية محاولة لتلمس الطريق الصحيح من أجل تنشئة سليمة للأطفال.
وتتبعت الدراسة دور القصة في التنشئة الاجتماعية للأطفال من خلال تسعة فصول وفصل ختامي خاص بالنتائج والمقترحات العملية للبحث، وتتوزع هذه الفصول في ثلاثة أبواب.
يضم الباب الأول فصلين فيتناول الفصل الأول موضوع أهمية القصة في تنشئة الأطفال، ويشرح أهداف البحث في معرفة العناصر الأساسية لمضمون القصص المنشورة في مجلات الأطفال الموفّرة في سورية، وواقع الدور الذي تقوم به في تنشئة الطفل اجتماعياً، ومدى انسجام ما ينشر من قصص مع أهداف تنشئة الأطفال في محاولة لتكوين وعي علمي للدور الكبير والمهم للقصة في عملية التنشئة التي تعتبر من أهم القضايا التي يتناولها علماء النفس والاجتماع بالدراسة والتحليل، نظراً إلى أهميتها في عملية التطور بمختلف أشكاله. ويعرض الفصل أهم الدراسات المحلية والعربية والأجنبية في هذا المجال.
ويتناول الفصل الثاني المكانة المتميزة للقصة ويعالج أهمية القصة القصيرة عند الطفل، فلقد بيّن علماء النفس والتربية أن الكثير من أهداف تنشئة الطفل يمكن أن تتحقق بوساطة القصة نظراً إلى إقبال الطفل على قراءتها. وتأتي أهميتها من الواقع الذي يعيشه الطفل وتنطلق من خبراته إلىعالم أكثر غنى واتساعاً، مع التعرض إلى خصائص الأطفال وميولهم القرائية في مرحلة الطفولة المتأخرة من سن (٩-١٢) سنة، وما هي العوامل التي تجعل القصص مناسبة لهم مع ذكر قصة الطفل القصيرة وأنواعها. وتم اعتماد تصنيف جديد للقصص يستند إلى معيار الموضوع، لأن موضوع القصة يثير اهتمام الطفل. وتم بموجب هذا المعيار تصنيف القصص إلى: اجتماعية، وطنية وقومية، تاريخية، معرفية علمية، إنسانية، قصص خيال علمي.
ويتوزع الباب الثاني في ثلاثة فصول، يشرح أولها الإجراءات المنهجية لدراسة قصص الأطفال المنشورة في المجلات المحلية والعربية من تحديد موضوع الدراسة وأهدافها، والفروض العلمية المعتمدة، وتحديد مجالات البحث الزمانية والمكانية، وعينات البحث وطرق اختيارها، وطرق تحليل النتائج وكيفية معالجة الافتراضات المسيّرة للبحث.
ويتناول الفصل الثاني الملامح العامة للقصص المنشورة في مجلات الأطفال المحلية والعربية، فقد تم التمييز بين القصص المكتوبة والمصورة، وبين القصص المترجمة والمؤلفة، وبحسب جنس الكاتب. أما الفصل الثالث فيعرض لنتائج تحليل مضمون القصص وتم تخصيصه لدراسة عينات القصص المنشورة في المجلات المحلية والعربية بطريقة تحليل المضمون على أساس أربعة معايير هي بيئة القصة وموضوعاتها الرئيسة والشخصية الرئيسة، وطريقة عرض أسلوب القصة.
وقد وزعت محتويات الباب الثالث على أربعة فصول، تناولت نتائج الدراسة الميدانية لأثر قراءة القصص في التنشئة الاجتماعية للأطفال لمعرفة مدى تأثيرها في جوانب شخصية الطفل القارئ، ووجود فروق بين شخصية الأطفال القراء وشخصية الأطفال غير القراء، ومعرفة علاقة الظروف الأسرية بقراءة الأطفال للقصص، والعوامل التي تحد من قراءة الأطفال للقصص. وقد تمت دراسة أثر القراءة في التنشئة الاجتماعية للطفل وأُجريت الدراسة على أطفال المدارس الابتدائية الرسمية والخاصة في مدينة دمشق ممن تتراوح أعمارهم بين الثامنة والثانية عشرة، وهم تلاميذ الصفوف الثالث والرابع والخامس والسادس.
كما أجريت الدراسة على أسر التلاميذ للأطفال المشمولين بالدراسة وعلى معلميهم ومعلماتهم لمعرفة الظروف الأسرية والمدرسية ومواقف الأهل والمعلمين في تشجيع الأطفال على القراءة وإقبالهم على قراءة القصص المنشورة في المجلات
وقد تضمَّن الفصل الأول شرحاً لجملة الإجراءات المنهجية التي اتبعتها الدراسة الميدانية لمعرفة الأثر الفعلي للقراءة في شخصية الطفل القارئ، ويشرح الفصل تحديد موضوع الدراسة، وأهدافها، والفروض العلمية ومجتمع البحث الميداني، وعينة البحث، وأسس اختيارها والأدوات المستخدمة في جمع البيانات ووسائلها.
ويتضمن الفصل الثاني تحليلاً لخصائص الأطفال القراء والشروط الأسرية المحيطة بهم من خلال نتائج الدراسة الميدانية، ويشمل الفصل تعريفاً بخصائص الأطفال الذاتية (العمر، والجنس، والصف الدراسي، وموقع الطفل بين إخوته) بالإضافة إلى الخصائص التعليمية والعملية للأبوين، والظروف الثقافية في الأسرة وظروف القراءة، وأوقات القراءة المفضلة بين التلاميذ، وماهية القصص المقروءة من حيث الأنواع والموضوعات وأسباب الاختيار والتفضيل.
ويتناول الفصل الثالث المسائل المتعلقة بالقراءة، فيعرض أوقات ممارسة القراءة في: العطل، ساعات القراءة أيام الدوام الرسمي، ساعات القراءة أيام العطل. ويبين الزوايا المفضلة للقراءة وأنواع القصص المقروءة (أنواعها وموضوعاتها)، وتشمل هذه الموضوعات: القصة المفضلة بين الأطفال، مناقشة القصة، أنواع القصص المقروءة. ويبين أسباب الإعجاب بالقصص، ولسان القصة المفضل، وشخصية القصة المفضلة.
أما الفصل الرابع فيشرح نتائج الدراسة الميدانية المتعلقة بتحليل الفروق الإحصائية بين القراء وغير القراء في مجموعة من السمات والخصائص الاجتماعية المستمدة من افتراضات الدراسة، فيبحث في أثر قراءة القصص في الاتجاهات الاجتماعية بين الأطفال من خلال معرفة الصفات الاجتماعية المفضل اكتسابها بين الأطفال، ومعرفة المهن المفضلة بينهم، واتجاهات رأيهم نحو مفهومي التعاون، والسعادة، ووسائل تحقيق الغايات، والموازنة بين الاتجاهات الوطنية وكل من الاتجاهات العائلية والاتجاهات المادية والاتجاهات العلمية والاتجاهات الذاتية، ومقدار الفرق في الاستعداد للتضحية من أجل الوطن، والعائلة، والمبادئ.