إدارة العبء المعرفي
تأليف : أشرف محمد نجيب
الناشر: العلم والإيمان للنشر والتوزيع
تاريخ النشر: 2020
تتطلب مواقف الحياة الواقعية غالبة من الشخص الانتباه وفي الوقت نفسه عمل أشياء أخري من مثل الانتباه إلى القيادة، وفي الوقت نفسه الاستماع الي المذياع، أو الحديث الي شخص مجاور أو إجراء محادثة باستخدام الهاتف المحمول، كذلك محاولة تصفح شبكة المعلومات للبحث عن موضوعات معينة، وتجنب الإعلانات المشتتة ، وفي الوقت نفسه الاحتفاظ المؤقت بأهداف البحث والنتائج المحتملة المتصلة بأهداف البحث لأجل المقارنة واتخاذ قرار. وتضع هذه المواقف عبئا زائدا علي أنساق معالجة المعلومات لدي الشخص.
وتسعي بحوث الانتباه بوجه عام لتحديد الوسائل الممكنة لتجنب التأثيرات المشوشة للمشتتات ، وتحديد أنماط التنبيهات الأكثر احتمالأفي تشتيت الأداء، وتحديد نمط المهام والظروف الأكثر مناعة للتشتيت .
فالتشتيت يمكن أن يكون له مدى واسع من العواقب في الحياة اليومية، بعضها بالغ الضرر ، مثل: التشتيت أثناء عملية القيادة وبعضها محدود يمكن أن ينقص ببساطة. من جودة الحياة ، مثل: التشتيت أثناء عملية القراءة. وتزداد أهمية التحكم في التشتيت في الأعمال الحيوية التي يتعرض أصحابها إلى رسائل من مصادر متعددة في الوقت نفسه مثل عمل الطيارين والعاملين بمراقبة المرور الجوي وقائدي السيارات... الخ.
أصبحنا نعيش في عالم لم يكن بالإمكان حتي تخيله قبل عقود قليلة من الآن. عالم يقضي فيه البالغون عشر ساعات يوميا علي الأقل متصلين بالإنترنت، وهو عالم من الشاشات الإلكترونية ، والمعلومات الفورية، أو بعبارة أخري عالم التشتيت الرقمي. وأصبح الإنسان المعاصر كأنه دائمة "تحت الطلب" لاستقبال رسائل البريد الإلكتروني ، والرسائل النصية ، وتحديثات الحالة،. ويعد الانتباه وعاء الذهب الذي نبحث عنه جميعا لكي نكون أكثر إنتاجا ، واقل توترا . "
تحولنا إلى مجتمع من الأذهان المشتتة ؛ فعملية المقاطعة الرقمية المستمرة والمعلومات التي تزيد عن الحاجة تفتت انتباهنا وتشتته وتعوق تركيزنا، و الجيل الحالي ، أو بعبارة أخري جيل الشاشة يراقب عن كثب التدفق السريع للمعلومات ، إنهم يستيقظون علي صوت منبه الهاتف، ويتصفحون آخر الأخبار والشائعات علي الجهاز نفسه. إننا لا نستخدم الإنترنت وإنما الإنترنت هو الذي يستخدمنا ويرغمنا علي القيام بمهام متعددة في الوقت نفسه مما يؤدي إلي ، زيادة الأخطاء أثناء معالجة المعلومات ، وأصبحت وسائل الإعلام الاجتماعي تحوز الكثيرمن انتباهنا ، وتضع طنينا متواصلا في الخلفية .
كانت القضايا السابقة في ذهن المؤلف قبيل إجراء البحث المتضمن في هذا الكتاب ، وهو بحث نال به المؤلف درجة الدكتوراة في علم النفس التجريبي المعرفي " بمرتبة الشرف الأولى". وقد آثرت أن أعرضه في هذا الكتاب بشكله الأكاديمي ليفيد الباحثين المختصين في المجال.
واستخدم المؤلف التقنية الحاسوبية رفيعة المستوي في المعالجة التجريبية لمتغيرات البحث، والضبط التجريبي الخصائص التنبيهات، والتوزيع العشوائي لترتيب تقديم الظروف التجريبية والمتمثلة في برنامج " E-prime " أو "المجرب الحصيف" .
تناول البحث نوعين من العبء المعرفي علي نظام معالجة المعلومات، وهما العبء الإدراكي ، وعبء الذاكرة العاملة. ويختص تأثير كل منهما بمرحلة من مراحل معالجة المعلومات ، فالعبء الإدراكي يضع متطلباته علي الوسع الانتباهي للمعالجة في نظام معالجة المعلومات بينما عبء الذاكرة العاملة يضع متطلباته علي وظائف التحكم المعرفي التنفيذية
وأمكن لنتائج الدراسة الراهنة تقديم بعض التطبيقات العملية المفيدة في تعديل العروض المقدمة في تعليم الأطفال الذين يتسمون بالتشتيت بدرجة مرتفعة من مثل "ذوي صعوبات التعلم، واضطراب نقص الانتباه المصحوب بالنشاط الزائد، والذاتوية بحيث تشمل عبئة إدراكيا مرتفعة عن طريق إمداد الشروح اللفظية بمعلومات بصرية متصلة بالمهمة أو استخدام حركات اليدين اثناء الشرح أو استخدام العروض الملونة، ويتوقع أن تساهم هذه التعديلات في تقليل الحساسية للتشتيت لدى المتلقين بفعل المعلومات غير المتصلة و تساعد في تحسين الإنجاز الأكاديمي بوجه عام، كما أن تصميم المهام في بيئة العمل بحيث تتضمن عبء إدراكي مرتفع يساعد في تقليل التشتيت لدي المستخدمين، كما يتطلب الأمر في بعض الأحيان خفض العبء الأدراكي لزيادة فرصة الوعي بالمشتتات وتحديد الاستجابة السريعة الملائمة لها (مثل عمل الطيار) أثناء قيادة الطائرة الذي قد يضطر إلي توزيع بعض انتباهه للاستجابة الي تعليمات من وحدة المراقبة الجوية علي الأرض ، كما تمثل نتائج الدراسة الراهن مرحلة أولي في تطبيقات نظرية العبء إلي المشتتات الداخلية وإعداد البرامج التدريبية التي تستخدم مهام مرتفعة العبء الأدراكي التسكين وتخفيف على الأقل مؤقت - المستويات العليا غير المعتادة من شرود الذهن والأفكار غير المتعلقة المرتبطة باضطراب نقض الانتباه المصحوب بنشاط زائد أو الأفكار المتطفلة والمقتحمة المرتبطة بالاضطرابات العيادية مثل اضطراب الوسواس القهري.
كما ألقت نتائج البحث الراهن الضوء على أهمية مراعاة مستوي عبء الذاكرة العاملة أثناء توجيه التعليمات للعاملين في المجالات المهنية التي تتضمن نشاطا مزدوجة مثل مجال الطيران الحربي الذي يتعرض أصحابه إلي رسائل من مصادر متعددة في الوقت نفسه. فيحتاج الطيار علي سبيل المثال الاحتفاظ بمسار عديد من المعلومات البصرية ، أثناء تشغيل طائرة عسكرية أو مدنية، ويحتاج مهندسو الملاحة الجوية علي الأرض لتذكر محتويات ما يعرض رادارهم أثناء تنفيذ مهام محيطة متعددة.
كما أبرزت النتائج أهمية مراعاة عبء الذاكرة العاملة في الأنشطة الحياتية المختلفة مثل القيادة بوصفه نشاطا يتطلب كامل الطاقة الانتباهية بتقليل الأنشطة المعرفية التي تضع عبئة زائدة على الذاكرة العاملة من مثل الحديث ، و استخدام الهاتف الخلوي ، و مشاهدة التلفاز ، وتصفح شبكة المعلومات ..الخ.
كما ألقت النتائج الراهنة الضوء على أهمية استخدام إستراتيجيات تعليمية في المجال التربوي تقلل عبء الذاكرة العاملة أثناء عملية التعليم، خاصة لدى التلاميذ ذوي صعوبات التعلم، واضطراب الانتباه، وضعف التحصيل الدراسي من قبيل إعطاء تعليمات بسيطة ومختصرة تنقسم الى خطوات منفصلة؛ وتكرار التعليمات، وتقليل طول الجمل المستخدمة في التعليم، وتبسيط بنائها النحوي، واستخدام كلمات مألوفة، والاستعانة بمعينات التذكر مثل الصور ، وأدوات العد... ألخ ، ويساعد خفض عبء الذاكرة العاملة على توفير مواردها للمعالجة وكف المشتتات .