الشباب العربي أزمة هوية ومستقبل مهدد
تأليف : يحيى السيد عمر
نشر : دار الأصالة
2021
مقدمة الكتاب
من أراد النظر للمستقبل عليه النظر إلى الشباب، فهم عنوان الحاضر وعماد المستقبل، وهم الاستثمار الأنجح، فكل استثمار قائم على احتمالية الربح والخسارة، إلا الاستثمار في الإنسان لا سيما في الشباب، فهو ربح حقيقي لا خسارة فيه، وانطلاقًا من هذا الطرح، ومن أهمية دور الشباب في تحسين واقع المجتمع العربي وبناء مستقبله جاء هذا الكتاب ليكون مرآةً حقيقيةً لواقع الشباب العربي، واستشراقًا لمستقبله، ناظرًا بعين الأمل لقدرة هذا الشباب على العمل والبناء، وبعين الألم لما يعانيه من ظروف موضوعية تقيد طاقاته وتحد خياراته.
وانتقالًا من التعميم إلى التخصيص يمكن القول بأن هذا الكتاب تناول بالشرح والتحليل قضايا الشباب العربي وارتباط هذه القضايا ببعضها وتأثيرها على واقع ومستقبل الشباب، بدأ من تحديد دقيق سيكولوجي واصطلاحي لمفهوم الشباب ومعناه وتمييزه عمريًا وسلوكيًا عن باقي الشرائح الاجتماعية، كما تناول الكتاب الدور المنوط بالشباب في بناء المجتمع، وآثار تغييبهم عن هذا الدور.
واستعرض الكتاب أبرز العقبات والمشاكل التي تواجه هذا الشباب من قضايا الفقر والبطالة مرورًا بالقضايا الاجتماعية والسياسية، كما عرج على أهم التحديات التي تواجهه في سعيه لتحقيق أهدافه وإثبات ذاته.
كما تناول الكتاب أزمة الهوية لدى الشباب العربي، وأبعاد هذه الهوية الثقافية والاجتماعية، والتحديات المرتبطة بها، من معرفية وثقافية وسياسية، مع التركيز على دورها في انتماء الشباب للمجتمع والأمة العربية، إضافةً لدراسة آثار تراجع انتماء الشباب لقضاياه وعلاقة أزمة الهوية بهذا التراجع، كما تطرق الكتاب لظاهرة صراع الأجيال، مبينًا المفاهيم المرتبطة بهذه الظاهرة، وموضحًا أسبابه من وجهات نظر متعددة ثقافية واقتصادية واجتماعية وسياسية، ومنوهًا بآثاره ونتائجه على البيئة الاجتماعية العربية.
وعرج الكتاب على موضوع الوعي لدى الشباب بشقيه الفردي والجمعي، لا سيما السياسي منه، دارسًا الحاضنة الثقافية والاجتماعية المولدة لهذا الوعي، وموضحًا للعلاقة بين الوعي السياسي والمشاركة السياسية، ومنوهًا بالآثار السلبية المرافقة لتراجع الوعي الجمعي السياسي العربي؛ كما تطرق الكتاب لظاهرة هجرة الكفاءات العربية، محللًا هذه الظاهرة تاريخيًا، بحيث يكون هذا التحليل مدخلًا لدراستها في الوقت الراهن، مميزًا بين أنماط وأشكال عدة لهذه الظاهرة، مبينًا بالأرقام والحقائق حجمها وآثارها على الاقتصاد العربي وعلى واقع ومستقبل الشباب، ومنوهًا لأسبابها المختلفة، ومقترحًا إستراتيجيات موجهةً لمعالجة هذه الظاهرة والتخفيف من حدتها.
كما تناول الكتاب قضية تمكين الشباب بعيدًا عن سفسطات عقيمة تعتبرها نوعًا من الترف النظري أو الجدال الفكري، مؤكدًا على أنها مهمة عاجلة وأولوية لازمة، من قبل الحكومات والنخب والمجتمعات على حد سواء، وذلك بالنظر إلى حجم المخاطر والتحديات التي تواجهها الدول والمجتمعات العربية حاضرًا، وتلك المتوقع أن تواجهها مستقبلًا، ولأن الشباب هم حاضر الأمة ومستقبلها فإنهم نقطة البدء الرئيسة والمرتكز الأساس لأي إستراتيجيات تنموية لبناء غد أفضل لأمتنا يتواءم مع تاريخها الناصع وحضارتها الغراء، وتناول الاتجاهات العالمية السائدة في هذا المجال، ومتطرقًا للأبعاد المختلفة للتمكين، ومبينًا لأسس وركائز أي برنامج يستهدف تمكين الشباب، ومتناولًا عددًا من التجارب العالمية الناجحة في هذا المجال علها تكون مرجعًا إجرائيًا لأي برامج تمكين مستقبلية؛ ولم يفت الكتاب أن يبحث تأثير ثورات الربيع العربي على واقع الشباب في المنطقة العربية، من خلال رصد الآلام التي تحملها الشباب العربي المطالب بالتغيير، ومن ثم الآمال التي عاشها أولئك الشباب حينما لاحت بوادر أفق جديد، قبل أن تتنازعهم أنواء الإحباط بعد أفول موجتهم الثورية، وما آلت إليه من إخفاقات دفع ضريبتها الشباب أنفسهم.
خلاصة واستنتاجات
خلصت هذه الدراسة وبنتيجة البحث والتحليل إلى جملة استنتاجات مستندةً على مقاربة علمية للواقع الحالي للشباب العربي، وهادفةً لإحداث تغيير جوهري وعميق في هذا الواقع، عل هذه الاستنتاجات تكون نقطة انطلاق نحو مستقبل أفضل للشباب ومن خلفهم المجتمع العربي بالكامل، وفيما يلي نورد أهم وأبرز الاستنتاجات التي توصلت إليها هذه الدراسة:
إن الفهم الأعمق والأكثر دقةً للشباب ينطلق من المقاربة السيكولوجية، فهذه المقاربة أكثر دقةً من العمرية، فالنظر إلى الشباب وفقًا للمعيار السيكولوجي يتيح إمكانية معالجة مشكلاتهم بدقة أعلى من النظر إليهم كشريحة محددة بمجال عمري فقط.
يعتبر إشراك الشباب العربي في أي مشاريع تنموية لا سيما المستدامة منها شرطًا رئيسًا لإنجاحها، وأي إقصاء لهم عنها يشكل قصورًا تزداد حدته طردًا مع درجة الإقصاء؛ والتشاركية هنا لا يقصد بها التنفيذية فقط، بل يجب إدخالهم بفاعلية من خلال عمليات التخطيط لمشاريع التنمية، فالاشتراط بمشاريع التنمية بقناعة منخفضة لا تختلف من ناحية النتيجة عن الإقصاء.
تتعدد العقبات والتحديات التي تواجه الشباب العربي، ومما يميز هذه العقبات والتحديات أنها متداخلة مع بعضها، بحيث لا يمكن فصلها عن بعض إلا ضمن الإطار النظري، ولسهولة الدراسة، أما تطبيقيًا فالعقبات الاقتصادية تؤثر بنظيرتها الاجتماعية التي تؤثر بدورها بالسياسية وهكذا لتشكل بمجملها حلقةً متكاملةً لا يمكن كسرها، لذلك فأي معالجة لهذه العقبات لا بد وأن تأخذ هذا التداخل بعين الاعتبار، فلا يمكن بناء برامج تستهدف حل العقبات الاقتصادية أولًا ثم الانتقال إلى الاجتماعية أو العكس، ولكن يجب التوجه بسلسلة حلول متكاملة تشمل جميع العقبات في برامج متداخلة هي الأخرى.
تعاني الهوية الثقافية العربية لدى الشباب من تراجع ملحوظ، وتلعب العولمة وضعف الانتماء الاجتماعي الدور الأبرز في هذا التراجع، لذلك فإن أي توجه لتعزيز هذه الهوية يجب أن يأخذ بعين الاعتبار دور العولمة وضعف الانتماء كونهما المسببين الرئيسين، وفيما يخص ضعف الانتماء الاجتماعي والوطني فهو الآخر يتأثر بشكل مباشر بالحقوق المكتسبة، فانخفاض مستوى الحقوق المكتسبة للشباب يقود لانخفاض انتمائهم الوطني والاجتماعي.
لا يمكن ربط مشاركة الشباب في الحياة السياسية بتسليمهم حقيبةً وزاريةً أو منصبًا هنا أو هناك، فالعبرة ليست بعدد الحقائب أو بمن يتسلم هذه الحقائب، ولكن العبرة في كيفية التعيين، فالمشاركة الحقيقية تتمثل في امتلاك شريحة الشباب بالكامل دورًا في انتخاب ممثليها.
تعتبر ظاهرة صراع الأجيال ظاهرةً طبيعيةً تفرزها تطورات الحياة الدائمة، وترتبط هذه الظاهرة في العالم العربي ببعدين: الأول، فردي ينحصر تأثيره في نطاق الأسرة، والثاني، جماعي على نطاق المجتمع العربي ككل، ويتمثل في الاختلاف الثقافي والأيديولوجي بين جيل الشباب وجيل الكبار، وهذا البعد الجماعي ذو تأثير أكبر وأخطر في حال لم تتم إدارته بالشكل السليم، وبشكل عام تعتبر ظاهرة صراع الأجيال محركًا حقيقيًا للتقدم الاجتماعي في حال حسنت إدارته.
يعاني الوعي الجمعي العربي السياسي من تراجع واضح، وكان تأثير أحداث الربيع العربي على هذا الوعي متواضعًا، كون الوعي الجمعي العربي منشغلًا بالقضايا المعيشية والأمنية وخاصةً بعد استغلال ثورات الربيع العربي وتحويلها عن مسارها من قبل الثورات المضادة.
هناك تطور واضح في البنية النظرية لبرامج التمكين الموجهة للشباب العربي، إلا أن هذا التطور لم ينعكس على الناحية العملية، فالفجوة واضحة بين النظرية والتطبيق في هذه البرامج، وغالبًا ما تعكس هذا البرامج قناعة القائمين عليها دون الأخذ بعين الاعتبار رأي وقناعة الممكن لهم وهم الشباب.
أتت نتائج الربيع العربي على المجتمع العربي عمومًا وعلى الشباب خصوصًا بنتائج سلبية للغاية زادت من حدة معاناته، وذلك كنتيجة حتمية للثورات المضادة التي أجهضت ولادة هذا الربيع في بداياته، وخاصةً أنه في الدول التي نجحت بها ثورات الربيع العربي تم إسقاط الحكومات الظاهرية وبقيت الدولة العميقة التي أعادت إنتاج أنظمة تماثل تلك التي تم إسقاطها، وبالتالي فإن الشباب العربي وفي أي حراك جديد لا بد وأن يأخذ قضية الدولة العميقة بالحسبان خاصةً أنها المنتج الحقيقي والخفي للحكومات والأنظمة التي تعتبر جهةً تنفيذيةً فقط لهذه الدولة العميقة، وبالتالي فالقضية أعمق من إسقاط أنظمة ظاهرة برموز محددة.