دراسات في التكامل النفسي
وصف كتاب دراسات في التكامل النفسي
إن التماثل من جهة والتضاد من جهة أخرى من أهم العلاقات التي تنظم الفكر الإنساني عندما يحاول معرفة نفسه ومعرفة العالم الخارجي. والمعاني العلمية أو الفلسفية التي نستخدمها في تفكيرنا تكون في العادة أزواجا، يرتبط الطرفان في كل زوج بعلاقة التماثل والتضاد في آن واحد، فالعلماء والفلاسفة يتحدثون عن المتصل والمنفصل، عن التحليل والتركيب، عن العلة والمعلول، عن البناء والوظيفة، عن المكان والزمان، عن الجسم والنفس، عن الحركة الآلية والفعل الإرادي ... إلخ.
غير أن الفكر الإنساني يحاول دائما الخروج من دائرة جاذبية هذه الأزواج، لا بتجاهل أحد الطرفين وإبراز الآخر، بل بالتأليف بينهما في صورة جديدة تستخلص من المعالم الأولية شكلا تأليفا يكون في الأن وحده بناء جديدا للوحدات السابقة ورمزا للاتجاهات التطورية المقبلة، ومن أهم المعاني التي يستخدمها العلماء والفلاسفة للتعبير عن هذه الحركة التأليفية التطورية معنى التكامل.
فهناك تكامل بين الوظائف العضوية في الكائن الحي وتكامل بين الوظائف النفسية والاتجاهات السلوكية، وتكامل في المستويات الاجتماعية المختلفة، غير أننا كلما ابتعدنا عن نشاط الكائن الحي في مستواه البيولوجي واقتربنا من السلوك السيكولوجي الاجتماعي تعقدت عمليات التكامل وأصبحت أكثر عرضة للاختلال والتفك.
والدراسات التي يحويها هذا الكتاب تدور حول عملية التكامل في مستوياتها الثلاثة. وقد سبق للمؤلف أن نشر معظم هذه الأبحاث في مجلة علم النفس، وهو يعتقد أنها لا تزال محتفظة بقيمتها العلمية والفلسفية، خاصة وأن المنهج التكاملي تتسع دائرة تطبيقه بفضل توثيق العلاقات القائمة بين العلوم التي تتناول دراسة الإنسان من جميع وجوهه، ونشأة الطب السيكوسوماتي من جهة، وتنوع الموضوعات التي يتناولها علم النفس الاجتماعي من جهة أخرى، لهو أكبر دليل على ذلك.
ويحوي الكتاب أيضا بحوثا جديدة لم يسبق نشرها: الانفعالات وبوادرها السيكوفسيولوجية، الدراسات النفسية في خدمة الصناعة، بين العلم والتربية، بين الفلسفة والتربية. وقد أضفنا عدة صفحات إلى الفصل الثالث عن نمو الطفل العقلي وتكوين شخصيته.
ونرجو أن تثير قراءة هذا الكتاب اهتمام الباحثين في حقل الدراسات النفسية لتطبيق المنهج التكاملي حتى لا تختفي صورة الإنسان بجميع مقوماته وراء الأبحاث الجزئية المسرفة في التخصص.