اضطراب الصدمة وضغوط ما بعد الصدمة - التشخيص والادارة والعلاج
تأليف : مراد علي عيسى - أميمة مصطفى كامل جمعة - محمد محمد فتح الله
نشر : دار الفكر
2022
مقدمة
بدأت البحوث الجادة المتعلقة باضطراب ما بعد الصدمة بعد حرب فيتنام نتيجة للمشکلات النفسية العميقة التي عانى منها قدامى المحاربين، رجالا ونساء. ومع ذلك، فقد لوحظت أعراض شبيهة باضطراب ما بعد الصدمة في جميع السكان القدامى، بما في ذلك الحربين العالميتين، والصراع الكوري، وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة المنتشرة في مناطق الحرب الأخرى، وكذلك حرب الخليج والحرب في العراق. تظهر أعراض مماثلة أيضا لدى قدامى المحاربين من بلدان أخرى، بما في ذلك أستراليا وفلسطين (1997 ,Beall).
وقد تم توثيق الروايات المكتوبة لأعراض اضطراب ما بعد الصدمة من الحرب الأهلية، عندما كانت تعرف باسم «متلازمة دا كوستا»، استنادا إلى ورقته المكتوبة في عام 1871، حيث وصفت بأنها «قلب الجندي» أو «قلب عصبي».
تمت مناقشة الناجين من الهولوكوست أيضا في الأدبيات الطبية على أنهم يعانون من أعراض مماثلة، مثل الناجين من كوارث السكك الحديدية والقنابل الذرية في هيروشيما وناغازاكي.
في الآونة الأخيرة أصبح اضطراب ما بعد الصدمة في طليعة الاهتمام النفسي حيث أظهر الناجون من هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية في مدينة نيويورك وواشنطن العاصمة أعراض اضطراب ما بعد الصدمة. إن الناجين من تسونامي عام 2004 في جنوب شرق آسيا وشرق الهند، والناجون من الزلزال الذي ضرب باكستان والأعاصير في جنوب شرق الولايات المتحدة في عام 2005 سيعانون بلا شك من اضطراب ما بعد الصدمة أيضا.
ما نعرفه الآن باسم اضطراب ما بعد الصدمة كان في القرن التاسع عشر، متأصلا في الهستيريا وتضمنت نظریات فروید وجانیت وشاركو ونظريات أخرى تلك النظريات ذات الإسناد النفسي، مثل التمارض أو الشخصيات غير المستقرة الموجودة مسبقا والتي كانت عرضة للإصابة بالعصاب.
قبل الطبعة الثالثة من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-III) (American 1980 ,[Psychiatric Association [APA) عرفت على أنه اضطراب، المتلازمة لها العديد من الألقاب، بما في ذلك: «صدمة الصدفة»، «عصاب الحرب»، «العصاب الرضحي»، «الانهيار التشغيلي»، «الصدمة القتالية»، «الخوف العصابي» و «النووية» و «إرهاق المعركة».
نظرا لاستمرار الأطباء النفسيين الشرعيين وعلماء النفس، اكتسب اضطراب ما بعد الصدمة مصداقية في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية الثالث باعتباره فئة فرعية من اضطرابات القلق بدلا من التصنيف السابق لاضطراب الفصام.
كما تطور تعريف الصدمة؛ ففي الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية DSM-III (الجمعية الأمريكية للطب النفسي، 1980)، تم تعريف الصدمة بأنها: «ضغوط يمكن التعرف عليها من شأنها أن تثير أعراض ضائقة كبيرة لدى الجميع تقريبا» و «کحدث نفسي مؤلم بشكل عام يكون خارج نطاق الخبرة البشرية المعتادة، «وكما يضيف الإصدار الثالث المنقح من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-III-Revised) (الجمعية الأمريكية للطب النفسي، 1987)، «خارج نطاق التجارب الشائعة مثل الفجيعة البسيطة، والأمراض المزمنة، وخسائر الأعمال، والصراع الزوجي».
أعادت الطبعة الرابعة من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-IV) (الجمعية الأمريكية للطب النفسي، 1994)، تصنيف اضطراب ما بعد الصدمة كاستجابة للضغط، مع منحه الاحترام باعتباره اضطرابا واضحا والإشارة إلى أهمية البحث المحدد والعلاج المناسب والخيارات. يتطلب التعريف الحالي للحدث الصادم وجود كلا الأمرين التاليين:
- أن الشخص قد عانى أو شهد أو واجه حدثا أو أحداثا تضمنت موتا فعليا أو مهددا أو إصابة خطيرة، أو تهديدا للجسد المادي. سلامة الذات أو الآخرين (المعيار A1)،
- اشتملت استجابة الشخص على خوف شديد أو عجز أو رعب (428-427 .APA, 1994, pp).
لم يعد اضطراب ما بعد الصدمة اضطرابا يصيب المحاربين القدامى فقط؛ فقد يصيب الرجال والنساء، البالغين والأطفال، المجموعات الغربية وغير الغربية، وعلى جميع المستويات الاجتماعية والاقتصادية. يبدو أن أقلية صغيرة فقط من الناس معرضة للصدمات الشديدة. كما يبدو أن هؤلاء الأفراد المقاومين للإجهاد هم أولئك الذين يتمتعون بقدرة اجتماعية عالية، وأسلوب تأقلم مدروس، وإدراك قوي القدرتهم على التحكم في مصيرهم، أو امتلاك «موضع تحكم داخلي» (1992 ,Herman).