مفهوم الذكاء الاجتماعي
يعد الذكاء الاجتماعي من المواضيع المهمة في الشخصية, لأنه يرتبط بقدرة الفرد على التعامل مع الآخرين, وعلى تكوين علاقات اجتماعية ناجحة, لذا فقد حظي هذا المفهوم باهتمام الكثير من العلماء والمنظرين, ويعد ثورندايك من الأوائل الذين كشفوا عن مفهوم الذكاء الاجتماعي بمعناه الصريح , فقد أكد على وجود ثلاثة أنواع من الذكاء هي : المجرد, والميكانيكي, والاجتماعي. وقد عرف الذكاء الاجتماعي على أنه " القدرة على فهم الآخرين والتفاعل معهم, عن طريق نجاح العلاقات الاجتماعية ", وقد مثل هذا التعريف نقطة البدء التي انطلق منها المنظرين للخوض في مفهوم الذكاء الاجتماعي.
وقامت ستارنج بعد ذلك بدراسة عن الخبرات الاجتماعية للأفراد, بقياسها عن طريق المفاهيم الخلقية, والعادات, والتقاليد السائدة في المجتمع, والألعاب الرياضـية, ونظام الحكم, وقد أكدت على المعرفة المستقلة, وعلى الخصائص الوظيفية للذكاء الاجتماعي عن طريق استعراض التقنيات الملائمة لقياسهِ.
ووسع فيرنون مفهوم الذكاء الاجتماعي عن طريق الإعلان, وطور تعريفهِ, ليتضمن القدرة على الانسجام مع الناس عموما ومعرفة الأمور الاجتماعية ,والحساسية للمؤثرات, والاستبصار والأمزجة الضمنية. كما يتضمن التبصر داخل القيم والأعراف المعاصرة, ومعرفة سمات الشخصية الأساسية للأصدقاء والغرباء .
وقدم ويدمان أداة لقياس القدرة على إصدار الأحكام الاجتماعية , وتكشف هذه المحاولة على وجود ثلاثة أنماط من الناس , منهم من لديه مؤهلات الحكم على الآخرين على وفق خبراتهم السابقة ,فضلاً عن كونهم يملكون القدرة على فهم أنفسهم جيداً, ومنهم من لديه معرفة جيدة بالأصدقاء والمقربين فقط , وآخرين لديهم القدرة على فهم الغرباء . ويتوقف ذلك على الذكاء والخبرة الاجتماعية.
وفي عام 1936 ظهرت محاولات متعددة لبناء مقاييس الذكاء الاجتماعي, منها محاولات موس وآخرون, إذ قاموا ببناء أداة تقيس الذكاء الاجتماعي, واعتمدوا في بنائها على تعريـف ثورندايك, وظهر المقياس بصـور عديدة.
وفي عام 1942 ظهرت مفاهيم أخرى لها صلة بالذكاء الاجتماعي, إذ تطورت الأبحاث والدراسات حول هذا المفهوم, وشملت أبعاداً واسعة النطاق, فقد تعامل جابن مع مقياس جورج واشنطن, وجعله محكاً لصدق مقياس المشاركة الاجتماعية في المجموعات, والمؤسسات المنظمة للمجتمع, وعد ذلك مقياساً أولياً للذكاء الاجتماعي ذو اتجاه سلوكي يركز على فهم الآخرين, إذ يصف الذكاء الاجتماعي بأنه القدرة على تحديد حالة اجتماعية معينة بلغة السلوك المفرد للآخرين, بدلاً من لغة المشاعر الخاصة بالفرد تجاه الآخرين.
إن الذكاء الاجتماعي يشمل أربعة مجالات, هي الاهتمام الاجتماعي, وفاعلية الذات الاجتماعية, ومهارات التعاطف, ومهارات الأداء الاجتماعي, وأن الذكاء الاجتماعي مساوي لمفهوم الكفاية الاجتماعية, التي عرفها بأنها تحقيق للهدف , أي ما ينجزه الفرد ويحققه نتيجة تفاعله مع المحيط والبيئة الاجتماعية.
المتغيرات التي تسهم في تنمية الذكاء الاجتماعي
هناك عوامل متعددة تسهم في تنمية الذكاء الاجتماعي وهي :
1. التنشئة الاجتماعية :
تسهم التنشئة الاجتماعية الجيدة في جعل الفرد يشعر بمسؤولياته تجاه نفسه ,وتجاه الآخرين, عن طريق تعليمه الأدوار الاجتماعية , والمعايير الاجتماعية التي تحدد له هذه الأدوار, إذ يتعلم كيف يسلك سلوكاً اجتماعياً مقبولاً, عن طريق علاقاته الاجتماعية, وفهمه للآخرين, واندماجه معهم, ومسايرتهم, فعن طريق التنشئة الاجتماعية يتحول الفرد من كائن بيولوجي إلى كائن اجتماعي يكتسب سلوك, ومعايير, وتقاليد الجماعة التي يعيش وسطها ويزداد فهمه وإدراكه للآخرين.
أما إذا كانت التنشئة الاجتماعية غير موفقة في إكساب الفرد السلوك الاجتماعي المقبول, فأنها تؤدي إلى سلوك اجتماعي غير سوي, إذ أنها تعمل على تغيير أنماط تفكير الفرد, حينما يواجه مواقف اجتماعية مختلفة, ويتميز إدراك الفرد للآخرين هنا بالخوف, والرفض, والشك, لاعتماده على ما يحتفظ به من تصورات مختلفة لفهمه للآخرين.
2. التفاعل الاجتماعي :
يعد التفاعل الاجتماعي أداة لإكساب القيم والعادات والاتجاهات , فعن طريقه يتعلم الفرد والجماعة أنماط السلوك المختلفة التي تنظم علاقاتهم الاجتماعية ,ويسعى الأفراد في تعاملهم الاجتماعي إلى تعديل إدراكاتهم واتجاهاتهم, من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن من المواءمة فيما بينهم, وكلما زادت قدرة الفرد على التفاعل مع الآخرين, زادت قدرتهِ على التكهن بوجهة نظر الآخرين.
3. المرونة في التعامل :
إن مرونة الفرد في التعامل مع الآخرين تجعله يميل إلى التغيير والاستناد على الدلائل والبراهين حينما يواجه المواقف الاجتماعية , بهدف أداء مهامه المطلوبة ,وهذه المرونة في التعامل تسهم في تنمية الذكاء الاجتماعي لدى الفرد. ويؤكد ليفن ذلك, إذ يرى أن العادات التي يكتسبها الفرد في حياته اليومية تتغير بتغير المواقف الاجتماعية.
4. التقبل :
تحدد نظرة الفرد للآخرين مدى تقبله الاجتماعي لهم, عن طريق إقامة العلاقات الإجتماعيـة, وفهم الآخرين, والتعاطف معهم , والمحبة, والألفة المتبادلة فيما بينهم, والاهتمام براحتهم وسعادتهم, وقد أشارت بعض الدراسات إلى أن فهم الفرد للآخرين, والمرونة في التعامل معهم عن طريق أدائه للمهام الملقاة على عاتقه , تجعله يتقبل أفكارهم ومعتقداتهم المنطقية, ومن ثم تجعله يواجه المواقف الاجتماعية الجديدة بكل حكمة,عن طريق تصرفه السليم الناتج عن فهمه للآخرين .
مؤشرات تحديد الذكاء الاجتماعي
على الرغم من المؤشرات المتعددة التي طرحها المنظرون, إلا أن جميعها تصب في الجوانب نفسها التي حددها فورد, وان تقديم المؤشرات التي حددها ,فقد وضع ثلاثة مؤشرات للذكاء الاجتماعي, وحدد عدد من المهارات التي تتعلق بكل مؤشر كالآتي:
1. تحليل المعلومات وترجمتها: وتتعلق بهذا المؤشر المهارات الآتية :
- أ.القدرة على قراءة التعبيرات غير اللفظية .
- ب.القدرة على القيام بالدور, وفهم الآخرين, والتبصر الاجتماعي .
- ج.القدرة على الوصول إلى استنتاجات اجتماعية دقيقة.
2. تكييف الفرد للمواقف الاجتماعية : وتتعلق بهذا المؤشر مهارة القدرة على تحقيق الأهداف الاجتماعية في ضوء النتائج السلوكية التي تتطلب مهارات اجتماعية .
3. المهارة الاجتماعية : وتتمثل بكل ما تقيسه مهارات إدراك الفرد وفهمه للآخرين.