الشخصية والذكاء
ليس ثمة خلافٌ بين علماء النفس عـلى أن كُـلاً مـن الطبـاع والمـزاج يرتبطـان بالشخصـية بطريقـة مـا، مهـما اختلفت وجهات النظر في هذه العلاقة: سواء أكانا يتداخلان معها أم َّ يعَُدان من بـين مكوناتهـا، أو يرادفانهـا لـدى بعض الباحثين .. ولكن الأمر غير ذلك في علاقة الذكاء بالشخصية، ويمكن أن ِّ نعُدد أساساً وجهتين للنظر.
فيرى الفريق الأول أن الذكاء منفصل عن الشخصية، فيعتقـدون أن هنـاك نـوعين مـن التنظـيمات السـلوكية المستقلة في السلوك البشري، أولهـما: التنظـيم المعـرفي Cognitive أو عمليـة معالجـة المعلومـات Information processing التــي تــرتبط بالعمليــات العقليــة، وثــانيهما التنظــيم الوجــداني Affective أو الشخصــية والجوانــب الانفعالية المتعلقة بالمواقف الاجتماعية والتكيف لها.
ولكن هذا الفصل بين هذين المفهومين لـيس لـه مـا ِّ يسُـوغه، فـإن التنظيمـين متـداخلان، والجوانـب المعرفية وحسن ُّ التصرف يمكن أن يتداخلا مع الخواص الانفعالية أو الشخصـية ويـؤثرا فيهـا، ومـن جانـب آخـر فـإن الخصائص الانفعالية يمكن أن تؤثر في العمليات المعرفية وفي نتائج اختبارات الذكاء والقدرات، فقد أجُريت مثلاً عـلى العلاقة بين القلق والأداء العقلي تجارب كثيرة، كما أن عدداً من اضطرابات الشخصية يؤثر – حتى على المدى الطويل – في نسبة ذكاء الفرد ووظائفه العقلية .
أما الفريق الثاني فيرى أن الذكاء أحد مكونات الشخصية، ومنهم كاتل الذي يضع الذكاء واحداً من عوامـل استخباره للشخصية ذي الستة عشر عاملا ، إن إهمال الذكاء في معالجتنا للشخصية، ليس له ما يسُوّغه؛ لأن الـذكاء بالتأكيـد جـزء متكامـل – كالطبـاع والمـزاج – في الشخصية، وأن هذه الوظائف الثلاث واعتمادها الوظيفي بعضها على بعض هو ما يكون الشخصية.
ومن أنصار هذا الفريق كذلك أيزنك الذي يـرى أن الـذكاء مسـتقل نسـبياً عـن أبعاد الشخصية الأخرى، ولكنه يتفاعل معها جميعاً بطرق معقدة ومتعددة، وقد بحث هـذه العلاقـة بالنسـبة لبعـد مهم في الشخصية هو الانبساط / الانطواء، فيذكر أن الذكاء اللفظي لدى المنطوي أعلى منه عنـد المنبسـط، والعكـس في الذكاء العملي، وأن الدقة مرتفعة لدى المنطوي، بينما السرعة عند المنبسـط أعـلى؛ إذ يهـتم بالسرعـة Speed عـلى حساب الدقة Accuracy ...
ومعروف أن السرعة والدقة وجهان أو مظهران مهمان للعملية العقلية كما بينت دراسات فيرنو Furneaux، وظهر أنهما يؤثران في نتائج اختبارات الذكاء .
ويتوافر عدد من الدلائل التي تؤيد هذا الاتجاه الأخير، فقد بينت دراسات أيزنك أن المنبسطين يميلون إلى الإبطـاء قرب نهاية الأداء الطويل (الممتد)، وهناك فروق بين المنبسطين والمنطوين في الاستدعاء المعجل والمؤجل Short and long term recall، وقد أثبت فارلي Farley علاقة منحنية بـين العصابية والأداء عـلى الاختبـارات المعرفيـة، ويشـير كاتـل باستخدامه للعوامل المائلة (المرتبطة معاً) في تحليله للشخصية إلى أن هناك ارتباطات بين الذكاء ومختلـف السـمات التـي تدل على الثبات والاستقرار
ويتوافر عدد من الدلائل التي تؤيد هذا الاتجاه الأخير، فقد بينت دراسات أيزنك أن المنبسطين يميلون إلى الإبطـاء قرب نهاية الأداء الطويل (الممتد)، وهناك فروق بين المنبسطين والمنطوين في الاستدعاء المعجل والمؤجل Short and long term recall، وقد أثبت فارلي Farley علاقة منحنية بـين العصابية والأداء عـلى الاختبـارات المعرفيـة، ويشـير كاتـل باستخدامه للعوامل المائلة (المرتبطة معاً) في تحليله للشخصية إلى أن هناك ارتباطات بين الذكاء ومختلـف السـمات التـي تدل على الثبات والاستقرار
وقد تأكد ميل المجموعات الأعلى ذكاء إلى أن تكون أكثر ثباتـاً بوجـه عـام في دراسـة تيرمـان وأودن ، وبــيّن فولــدس ظهــور آثــار فارقــة فــيما يخــتص بالتشــتيت Distraction بــين الهســتيريين والدســتيميين (العصابيين المنطوين) في تكملة اختبار المتاهات، وقد حلل فيرنو الوظائف المعرفية إلى عوامـل منفصـلة خاصـة بالسرعة والمثابرة، وآليةّ مراجعة الأخطاء، ويشير أيزنك إلى أن العامِليَْن الأخيرين يمكن أن يعُدا من العوامـل غـير المعرفية.
وهناك نتيجتان مهمتان في هذا المجال : أولاهما أن الوظائف المعرفيـة مجـال مهـم في الشخصـية، ويجـب أن نهتم به في ذاته، وثانيهما: خاصة بتوافر أدلة على أن هناك تفاعلا مهماً بـين المتغـيرات المعرفيـة وغـير المعرفيـة في الشخصية، وأن مزيداً من الفحص لمثل هذه التفـاعلات يغلـب أن يضـيف كثـيرا إلى فهمنـا المتزايـد لكيفيـة عمـل وظائف الشخصية المتكاملة .
ويـوصي أولبـورت بـأن نـدخل الـذكاء في المـواد الخـام التـي تتكـون منهـا الشخصية؛ لأن الذكاء في أحد جوانبه مرتبط تماماً بالجهاز العصبي المركزي، والأخير هبة فطريـة كالجهـاز العصـبي ِّ الغُدي الذي هو أساس بنية الجسم والمزاج، ومن المؤكد أن ثمة تفاعلاً بين الـذكاء والشخصـية، ولكـن لـيس هنـاك نمط موحد لهذا التفاعل.
وقد نشر تيرمان في عـام 1947 نتـائج دراسـة تتبعيـة بـدأت عـلى (1500) طفـل مـن الموهـوبين (نســبة ذكــائهم 140 ومــا فوقهــا)، فظهــر بعــد اثنــي عشر عامــاً مــن إجــراء الاختبــار علــيهم لأول مــرة أن بعضهم ظاهر النجاح، بينما الآخرون غير ناجحين في حيـاتهم، في حـين أن كلتـا المجمـوعتين مرتفعـة الذكاء، فما الفرق إذن ؟ لقد ظهر أن أعضاء الجماعة الناجحة أكثر ميلاً إلى عملهـم، وعنـدما طلُـب مـن أقرانهم أن يضعوا تقديراً لهم ذكروا أنهم أكثر مثابرة وثقة بالنفس، وأكثر اتساقا مـع أهـدافهم؛ ولـذلك فـإن الأداء العقلي الممتاز (أياً كانت نسبة الذكاء) يحتاج إلى صفات شخصية معينة.
وقد نشر تيرمان في عـام 1947 نتـائج دراسـة تتبعيـة بـدأت عـلى (1500) طفـل مـن الموهـوبين (نســبة ذكــائهم 140 ومــا فوقهــا)، فظهــر بعــد اثنــي عشر عامــاً مــن إجــراء الاختبــار علــيهم لأول مــرة أن بعضهم ظاهر النجاح، بينما الآخرون غير ناجحين في حيـاتهم، في حـين أن كلتـا المجمـوعتين مرتفعـة الذكاء، فما الفرق إذن ؟ لقد ظهر أن أعضاء الجماعة الناجحة أكثر ميلاً إلى عملهـم، وعنـدما طلُـب مـن أقرانهم أن يضعوا تقديراً لهم ذكروا أنهم أكثر مثابرة وثقة بالنفس، وأكثر اتساقا مـع أهـدافهم؛ ولـذلك فـإن الأداء العقلي الممتاز (أياً كانت نسبة الذكاء) يحتاج إلى صفات شخصية معينة.
وعلى الرغم من أن الرأي الغالب أن هناك أنواعاً من العلاقات بين الذكاء والشخصية فإن كثـيراً مـن المـؤلفين عندما يعالجون الشخصية بمنظـور محـدد ومتخصـص، فإمـا أنهـم يغفلـون القطـاع المعـرفي (الـذكاء)، وإمـا أنهـم يعالجونه بإيجاز؛ إذ يوجِّهون جُلّ اهتمامهم للقطاعات الوجدانية، مع افتراضهم الضمنى أن ثمة علاقات وثيقة بين الذكاء والشخصية.