الصيام العلاجي
70 بالمئة من الأمراض المزمنة يكمن سببها اليوم في تغذية خاطئة. على أن هذا لا علاقة له في بنقص تغذية أو بسوء تغذية، وإنما وفرة المواد الغذائية هي التي تمُرضنا. إنه الأكل المتواصل.
كان الجوع مرافقاً يومياً لجسمنا على مدى ملايين السنين، فنظامنا بأكمله مصمم لأطوار طويلة منعدم الأكل. ولكننا نحن البشر المعاصرين نمارس نقيض ذلك. نحن نتناول السعرات الحرارية حتى عشر مرات في اليوم، ذلك أننا لا نأكل في الوجبات الأساسية فقط، وإنما نأكل فيما بينها باستمرار.
الوارد الغذائي المستمر يكلفّ استقلابنا أكثر مما في وسعه بطريقة دراماتيكية. يناقشَ منذ عشرات السنين السؤال: ماذا نأكل؟ وينسى السؤال: متى ينبغي أن نأكل؟ وكم مرة؟ لا شك في أن الإجابات عن هذه الأسئلة ذات أهمية كبرى، ذلك أن أبحاث العقدين الأخيرين تبينّ أن سائرالعضويات الحية، التي تصوم بانتظام، يمكن أن تطُيل عمرها بنسبة 20 إلى 30 بالمئة. حتى وإن كانت الدراسات الكثيرة (لا تزال) تنسحب على الحيوانات ولم يبُتَّ في نتائجها بالنسبة للإنسان، إلاّ أن كثيرا من الأبحاث تؤكد أن الصيام يؤدي إلى تحسّن مؤشرات الاستقلاب في أعضائنا وأنسجتنا على نحو مؤثرّ، وهذا الأثر المُطيل للعمر لا يحُدثه أيّ دواء!
لا شك في أن ميزات الصيام - سواء الصيام العلاجي أم الصيام المتقطعّ - واضحة كلّ الوضوح: تنفيذهما بسيط، ولا يكلفّان سوى القليل من المال، وهما فعاّلان جداً في معالجة الأمراض والوقاية منها. فضلاً عن أن الصيام جيد التحمّل ويؤثرّ بصورة إيجابية إجمالاً على الصحة والحيوية وعلى المدى الطويل حتى على الوزن أيضاً. وأخيراً يؤدي الصيام العلاجي والصيام المتقطعّ على السواء وبطريقة رائعة إلى المزيد من الانتباه والوعي والمتعة أثناء تناول الطعام.
عند بدأ الصيام يلاحظ ظهور تغيرّات مؤثرّة. حيث ترُى طلاوات لسان سميكة جداً كانت تشتد باستمرار في البداية، ثم يأخذ لونها بالتغيرّ إلى أن يرُى بعد عدة أيام من الصيامّ في الغالب لسان وردي جميل خالٍ من الطلاوة. وقد أمكن مشاهدة الأمر نفسه في الجلد والنسيج الضام. غالباً ما كان يظهر أولاً جلد مضطرب، كان صفاؤه ونعومته يزدادان باستمرار بعد عدة أيام، وكانت ليونة النسيج الضام تحت الجلد تلُاحَظ عند كثيرين من مرضى الألم تحديداً. فمن المعروف أننا نجد عند معظم من يشكون من آلام في الظهر تشنجّات تشمل النسيج الضام أيضاً. ويلاحظ عند الصائمين ارتخاء النسيج الضام وتزداد مرونته، وتتحسّن الكثير من متلازمات الألم عن طريق الصيام وحده. على أن أشد ما يثير الاهتمام هو التغيرّات في الوجه ..
وكان البروفسور بورينغ يسمّيها سحنة الصيام. حيث كان معظم مرضاه يصلون إلى المستشفى بوجوه متوترّة ومتشنجّة في الواقع بسبب شكاياتهم الشديدة بالطبع. حتى إن مرضى ارتفاع الضغط الدموي أو الداء السكرّي كانوا يظُهرون وجوهاً مترهلّة بشكل خفيف أو احتباسات سوائل أو هالة حول العينين أو حمامى شديدة وإكزيما. ولكن هذه الأعراض كانت تختفي بعد أيام قليلة من الصيام أو تتحسّن بشكل شديد على الأقل. وكان من المألوف أثناء عيادة المرضى سماع عبارات مثل: يقول زوجي إنني استعدتُ فرح واسترخاء الشباب في الوجه ..
من أجل فهم آثار الصيام الشافية - سواء أكان الصيام العلاجي أم الصيام المتقطعّ - من المهم إيضاح كيفية استجابة الجسم للأكل من ناحية وللحرمان من الأكل من ناحية أخرى. هناك برنامجان اثنان للاستقلاب - تناول الطعام والتنازل عن الطعام - محددّان في العضوية البشرية منذ عصور ما قبل التاريخ. يبدلّ الجسم بين هذين البرنامجين باستمرار. يتطلبّ هذا التبديل المتواصل قدراً أقصى من التوجيه والتحكمّ ومن الكيمياء الحيوية فائقة الدقة.
لا شك في أن ميزات الصيام - سواء الصيام العلاجي أم الصيام المتقطعّ - واضحة كلّ الوضوح: تنفيذهما بسيط، ولا يكلفّان سوى القليل من المال، وهما فعاّلان جداً في معالجة الأمراض والوقاية منها. فضلاً عن أن الصيام جيد التحمّل ويؤثرّ بصورة إيجابية إجمالاً على الصحة والحيوية وعلى المدى الطويل حتى على الوزن أيضاً. وأخيراً يؤدي الصيام العلاجي والصيام المتقطعّ على السواء وبطريقة رائعة إلى المزيد من الانتباه والوعي والمتعة أثناء تناول الطعام.
كيف ينشّط الصيام الشفاء الذاتي
الصيام العلاجي والصيام المتقطعّ كلاهما فعاّلان وقائياً وعلاجياً. هذا يعني أن باستطاعة الصيام تخفيف الأعراض المرضية أو شفاءها وأن بإمكانه الوقاية من نشوء الكثير من الأمراض. الصيام العلاجي هو أشد أنواع الصيام رسوخاً عبر التاريخ. إذا كان ينُظرَ إلى الصيام في السابق بشيء من السخرية أحياناًعلى أنه علاج كمالي لزائدي الوزن أو واسعي الثراء بغية التخلصّ من الدهون أو التخلصّ من الرواسب والأدران، فهو في هذه الأيام أحد أهم العلاجات في الطبّ الطبيعي وفي طبّ التغذية الجديد. وهو بحسب معطيات الدراسات الحالية أشد فعاليةً من الناحية الصحية من الصيام المتقطع.عند بدأ الصيام يلاحظ ظهور تغيرّات مؤثرّة. حيث ترُى طلاوات لسان سميكة جداً كانت تشتد باستمرار في البداية، ثم يأخذ لونها بالتغيرّ إلى أن يرُى بعد عدة أيام من الصيامّ في الغالب لسان وردي جميل خالٍ من الطلاوة. وقد أمكن مشاهدة الأمر نفسه في الجلد والنسيج الضام. غالباً ما كان يظهر أولاً جلد مضطرب، كان صفاؤه ونعومته يزدادان باستمرار بعد عدة أيام، وكانت ليونة النسيج الضام تحت الجلد تلُاحَظ عند كثيرين من مرضى الألم تحديداً. فمن المعروف أننا نجد عند معظم من يشكون من آلام في الظهر تشنجّات تشمل النسيج الضام أيضاً. ويلاحظ عند الصائمين ارتخاء النسيج الضام وتزداد مرونته، وتتحسّن الكثير من متلازمات الألم عن طريق الصيام وحده. على أن أشد ما يثير الاهتمام هو التغيرّات في الوجه ..
وكان البروفسور بورينغ يسمّيها سحنة الصيام. حيث كان معظم مرضاه يصلون إلى المستشفى بوجوه متوترّة ومتشنجّة في الواقع بسبب شكاياتهم الشديدة بالطبع. حتى إن مرضى ارتفاع الضغط الدموي أو الداء السكرّي كانوا يظُهرون وجوهاً مترهلّة بشكل خفيف أو احتباسات سوائل أو هالة حول العينين أو حمامى شديدة وإكزيما. ولكن هذه الأعراض كانت تختفي بعد أيام قليلة من الصيام أو تتحسّن بشكل شديد على الأقل. وكان من المألوف أثناء عيادة المرضى سماع عبارات مثل: يقول زوجي إنني استعدتُ فرح واسترخاء الشباب في الوجه ..
من أجل فهم آثار الصيام الشافية - سواء أكان الصيام العلاجي أم الصيام المتقطعّ - من المهم إيضاح كيفية استجابة الجسم للأكل من ناحية وللحرمان من الأكل من ناحية أخرى. هناك برنامجان اثنان للاستقلاب - تناول الطعام والتنازل عن الطعام - محددّان في العضوية البشرية منذ عصور ما قبل التاريخ. يبدلّ الجسم بين هذين البرنامجين باستمرار. يتطلبّ هذا التبديل المتواصل قدراً أقصى من التوجيه والتحكمّ ومن الكيمياء الحيوية فائقة الدقة.
إذن، ما يحدث في الصيام هو أمر فوق العادة. يعُدّ عالمِ الجزيئات فرانك ماديو واحداً من كبار باحثي الصيام والالتهام الذاتي على مستوى العالم، وقد درس عن كثب الحدثيات الخلوية التي تتغيرّ أثناء الصيام: تقوم الخلايا بهدم المكونّات المتضرّرة وتستفيد منها ثانيةً. كما نال الياباني يوشينوري أوزومي جائزة نوبل في الطبّ لعام 2016 عن أبحاثه في موضوع الالتهام الذاتي - وهو اعتراف عظيم بحدثية شفاء ذاتي لايمكن لأي شيء أن يضاهي الصيام في شدة تحفيزها. يقول ماديو: ما منح دث يغيرّّ البنية المجهرية للاستقلاب بشكل استثنائي مثل الصيام، ولا حتى الحمل أو أصعب العمليات الجراحية .
الصيام هو النظام العلاجي الملكي
بسبب تأثيره الجيد والسريع والواضح على الضغط الدموي وعلى قيم سكرّالدم والقيم الالتهابية وعلى حالة المريض العامة يمكن أن يعُد الصيام العلاجي بلا شك انطلاقة جديدة أو إعادة تشغيل إن جاز التعبير. يضُّاف إلى ذلك شيء يوصف بالفعالية الذاتية، وهي قناعة المرء بقدرته على تذليل وضع صعب بمفرده. كلّ من يصوم بشكل ناجح يثبت بنفسه لنفسه مدى فعاليته الذاتية ويحق له أن يفخر بذلك. إلى ذلك تسهلّ هذه الفعالية الذاتية في النهاية تحمّل التغييرات طويلة الأمد في التغذية أو الحركة في الحياة اليومية بنجاح.من المدهش أن الصيام كاد يطويه النسيان في القرن العشرين. فقد تصاعدت موجة الأكل في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية بعد سنوات الحرب، وراح الكلام يدور عن سنوات الوفرة. ولكن استبدال اسـتراحات الأكـل بالوجبـات الخفيفـة والسموثـي وألـواح الشوكـولا والنقرشات الحلوة بشكل متواصل لم يحدثْ إلاّ في العشرين سنة الأخيرة. كان المواطن الأمريكي النموذجي في السبعينيات لا يزال يتناول ثلاث وجبات في اليوم، من دون أن يأكل شيئاً فيما بينها. ولكن هذا الوضع قد تغيرّ.
وفي هذه الأيام يبدو تناول الطعام اليومي النموذجي عند الكثيرين على الشكل التالي: يتناول المرء فطوره، غالباً مع مربىّ وعسلأ وكرواسان، إلى جانب فنجان من القهوة المحلاة. في الساعة العاشرة أوالحادية عشرة هناك وجبة قبل الظهر الخفيفة، بعد ذلك بقليل طعام الغداء غير الصحي في الغالب، لا سيما إذا تم تناوله في المقصف. في الساعة الخامسة عشرة يحلّ الجوع الصغير، وغالباً ما يقضم المرء شيئاً حلواً. يتلو ذلك طعام العشاء. وبعد ذلك، أثناء السهرة أمام الشاشة الصغيرة، يحلو للمرء أن يتناول رقائق البطاطا أو لوحاً من الشوكولا. على هذا النحو يتناول المرء ما مجموعه ست إلى سبع وجبات في اليوم، ولا يدخل في هذا الحساب القهوة على الماشي والمشروبات الغازية .
استجابات الجسم للأكل والصيام
عندما نأكل، يمتصّ كلّ منا من الطاقة مبدئياً أكثر مما يحتاجه في اللحظة الحاضرة مباشرةً. ولكن الجسم يتدبرّ الأمر بمهارة عن طريق تخزين الفائض من الطاقة بدايةً. وهذا أمر منطقي، إذ إننا لا نعلم متى يتُاح لنا ثانيةً أن نأكل شيئاً ما. لم يكنْ أسلافنا على الأقل يعلمون هذا طوال ملايين السنين.
يتم تخزين الفائض من السعرات الحرارية على شكل غليكوجين، وهو سكرّ التخزين في الكبد. بيد أن كمية الغليكوجين التي يمكن تخزينها محدودة، فما إن تسُتنفَد سعة هذا المخزن، أي بمجرد أن يمتلئ، يبدأ الجسم بكلّ حسن نية ببناء احتياطيات دهنية في مواضع أخرى من أجل أوقات الشدة. وهذه الاحتياطيات هي شحوم الأرداف رديئة السمعة والكرش. بالتالي فإن الكربوهيدرات الزائدة عن الحاجة أو الفائضة يتم تخزينها على شكل دهون في الجسم.
هذا ما يحدثه الصيام في الجسم
الأغشية المخاطية والجلد
يعكس اللسان مخاطية الأمعاء وتكون عليه طلاوة شديدة في الأيام الأولى. ولكنه يصبح أخيراً وردياً وخالياً من الطلاوة؛ يتم عن طريق الجلد والرئة اطراح الأسيتون الناجم عن تحويل الحموضالدسمة إلى أجسام كيتونية.
الدماغ والجملة العصبية
تغيرّ توازن النواقل، ارتفاع عابر في هرمونات الكرْب، ثم انخفاض منسوب الكرْب، إفراز السيروتونين، تأثير رافع للمزاج ومُرخٍ على الجملة العصبية، ارتفاع الأداء، تشكيل خلايا عصبية جديدة.
جملة القلب والدوران
ينخفض النبض، ينخفض الضغط الدموي، ينخفـض مسـتوى الكولسـترول، تغيرّ تواتر القلب، وهو مؤشّر إلى استرخاء أعصـاب القلب.
المجرى المعدي المعوي
تستريح المعدة والأمعاء من عبء العمل الهضمي، ينقص تكوين منتجات التخمّر والسموم، يزداد تنوعّ جراثيم الميكروبيوم المعوية، يستريح جهاز المناعة، تجري إزالة المواد الخلوية الميتة.
الكليتان
ترفع الكلية من وظيفتها في التخلصّ من السموم أثناء الصيام. يتكونّ البول من مكونّات صلبة وسائلة، أحدها هو اليوريا أو البولة كمنتجَ نهائي لاستقلاب البروتين. يتم طرح البول بشكل متزايد أثناءالصيام.
المعثكلة
انخفاض إنتاج الإنسولين، تستطيع المعثكلة أن تتجدد .
الكبد
يتم تحويل الحموض الدسمة إلى أجسام كيتونية، يتم هدم الغليكوجين، انخفاض هرمون النموّ IFG-1، إنتاج أقل للكولسترول.
النسيج الدهني
يسُتفاد من احتياطيات الدهون كمصدر بديل للطاقة ويتم هدمها،هدم الدهون وتغيير النواقل كإنتاج أقل من لبتين علـى سبيل المثال، تثبيط الالتهاب.
النسيج العضلي والمفاصل
للصيام تأثير مسكن للألم ومريح للمفاصل، ويواجه الحدثيات الالتهابية مثل الرثية والتهاب المفاصل، وتختبر العضلات ارتفاعاً في الأداء.