الشخصية وعملياتها العقلية
تأليف : ليلى داود
نشر : منشورات جامعة دمشق
2021
مقدمة الكتاب
في الوقت الذي يعيش فيه إنسان عالمنا المعاصر منجزات الثورة العلمية التقنية، يعاني أيضاً مما تحمله تلك المنجزات من آلام ومتاعب إنسانية. هذا الوضع الإنساني يستلزم بالضرورة التعمق في فهم الشخصية الإنسانية وما تتعرض له من مظاهر سلبية، مثلما يتطلب تماماً فهم النظم والأوضاع الاجتماعية الاقتصادية والسياسة والثقافية التي تسود العالم. لقد جاء اهتمام هذا الكتاب بالشخصية الإنسانية دون المجتمع كنوع من الاستجابة المباشرة للاتجاه الذي يرى أن الإنسان هو صانع تلك النظم وهو المنفذ لها والمتأثر بها والمتفاعل معها، وهو في نهاية المطاف المعبر عنها بسلوكه وأفكاره وبعلاقاته وتصرفاته.لقد كان طبيعياً اتخاذ الشخصية النقطة المركزية وليس المجتمع ونظمه لأن في هذا الموقف تعميق لفهم الإنسان وخصائص شخصيته وتوضيح للعوامل التي تحكم سلوكه والقيم التي يسترشد بها في حياته وأفضل الوسائل التي تمكن من تعديل نواحي ضعفه وسلبيته وتستبدلها بأخرى البناءة الإيجابية، التي تتيح بدورها أمام الإنسان الفرصة وتجعله أكثر قدرة على مواجهة ضغوط هذا العصر وتحدياته، وأكثر استجابة لمقومات التقدم والارتقاء نحو الحياة الإنسانية الأكثر استحقاقاً وفاعلية.
إن الإنسان هو معقد الآمال الذي تتطلع نحوه مجالات الحياة الإنسانية ومناشطها لذلك فإن موضوع "الشخصية الإنسانية" سيبقى يغطي المساحة الأكبر في مختلف ميادين العلوم السلوكية، والمحور لعديد من الميادين العلمية الأخرى، كما سيظل الموضوع الذي يثير مجموعة هائلة من القضايا الساخنة التي تتناول كل نشاط إنساني وكل تفكير وكل سلوك في الأسرة والمدرسة والشارع في المصنع والمشفى والمجتمع وفي أي مجال يوجد فيه الإنسان.
وستظل الشخصية الإنسانية الموضوع الذي تقوم على أساسه خطط التنمية الشاملة ولا تتحقق إلا به، كما سيبقى الموضوع الذي تدرك من خلاله الثقافة إدراكاً موضوعياً وتفهم بوساطته الحضارة فهماً دقيقاً باعتبارهما في النهاية نتاج تفاعل ونشاط إنساني.
على أية حال، لقد تحمل علم النفس مسألة فهم الشخصية الإنسانية وحاول مفكروه الغوص فيها إلى ما هو أبعد من السطح للكشف عن طبيعتها ومعرفة خصائصها. ولم تقتصر جهودهم على بناء تصورات نظرية تفسر مراحل نمو الشخصية وتطورها وعلى بناء طرائق ومقاييس موضوعية خاصة بدراستها، إنما كان لجهودهم تطبيقات علاجية وقائية وإرشادية تأهيلية حولت مفهوم المساعدة إلى علم والرعاية إلى منهج وكشفت النقاب عن المنابع الحقيقية لمشكلات الإنسان.
ومضى العلاج النفسي يتطور مع تطور المجتمعات ويقطف متخصصوه ثمار كل جديد من حقل المعرفة ويطوعونه لخدمة الإنسان ووقايته وعلاجه. ورغم أن العلاج قد تجنس طويلاً بالجنسية "الفرويدية"، عندما سيطرت مفاهيم "فرويد " على الفكر الإنساني خلال النصف الأول من القرن العشرين إلا أنه لم يعزل نفسه عن المفاهيم السلوكية وعن مبادئ التعلم المعرفية، واتسع كذلك لمفاهيم الوعي الذاتي وتقبل المسؤولية الشخصية إلى جانب تمسكه بالواقع وبالخصوصية الثقافية.
وبطبيعة الحال، فإن العمليات العقلية المعرفية ليست أساسية فقط في الإمداد بالمعلومات اللازمة لفهم جانب الشخصية المعرفي، بل هي كذلك في تفسير الكثير من خصائص الشخصية الأخرى، فعلى أساسها يتحدد تنظيم المواقف الإدراكية وكيفية مواجهة المشكلات المتنوعة والتعامل مع المواقفن الحياتية المتنوعة.
وبطبيعة الحال، فإن العمليات العقلية المعرفية ليست أساسية فقط في الإمداد بالمعلومات اللازمة لفهم جانب الشخصية المعرفي، بل هي كذلك في تفسير الكثير من خصائص الشخصية الأخرى، فعلى أساسها يتحدد تنظيم المواقف الإدراكية وكيفية مواجهة المشكلات المتنوعة والتعامل مع المواقفن الحياتية المتنوعة.
لهذا تعد العمليات العقلية المعرفية الوسيلة المناسبة في تمييز شخصيات الأفراد وفي تفسير تباين وجهات نظرهم ومواقفهم نحو القضايا سواء القومية النوعية أو العالمية. كما قد تكون مفتاح الطريق لفهم أساس المشكلات التي تتعرض لها الشخصية والخلل الذي يصيب أجهزتها النفسية والسبيل إلى معالجة ذلك.
وأمام التراث العلمي الضخم الذي تناول ميدان الشخصية الإنسانية وعملياتها العقلية وفي ظل تزايد الضغوط الحياتية التي تتعرض لها الشخصية الإنسانية والحاجة الملحة لمعرفة الظروف المخففة من ألوان الصراع والمشكلات المتعددة فإن الضرورة العلمية تقتضي أن يقتصر مضمون هذا الكتاب على ركائز أعدها أساسية في هذا الميدان المهم الخصب ومدخلاً مهماً له.
لهذا تتبعت الجهود العلمية التي أوصلت ميدان "الشخصية وعملياتها العقلية" إلى مستواه الحالي واستخلصت منها المبادئ التي تمكن الطالب من إدراك المفاهيم الأساسية له ومن الإلمام بالأسس التي يستند إليها ويجد من خلالها الآفاق الرحبة لهذا الميدان المتجدد باستمرار.
وأحسب أن هذه الرؤية العامة ستتيح للطالب والقارئ معاً فرصة الاطلاع على الآراء المتعددة ومناقشتها في ضوء رؤية علمية واضحة تتجاوز حدود الرغبة في حشد المعلومات واستظهارها أو الانسياق وراء تعميمات قد لا تخدم الفكر ولا تسهم في حركة تقدم ميدان الشخصية ذي الصلة الوثيقة بجوانب الحياة ومجالاتها المتعددة.
وعلى هـذا الأساس جاء هذا الكتاب في بابين، رتبت فصولهما ترتيباً منطقياً، يعتمد كل فصل على الفصل السابق له ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بالفصل اللاحق له.
جاء الباب الأول في ستة فصول خصص الأول لعرض موجز لأهم النظريات التي فسرت طبيعة الشخصية الإنسانية وكيفية نموها في ضوء تصورات وأسس تميزت بها، كما وضحت العوامل البيئية والوراثية المتفاعلة معاً تشکيل خصائص الشخصية وفي تكيفها المناسب، وأشير إلى أساليب السلوك غير المتوافق التي تعيق تكيف الشخصية والأوضاع المسببة لذلك، إلى جانب وسائل تقدير جوانب الشخصية التي تمكن من تمييز الأشخاص بعضهم عن بعض وانتهى الفصل السادس بأهم تيارات العلاج النفسي وطرائقه إلى جانب العلاج الطبي.
أما فصول الباب الثاني الستة، فقد عالجت بعض العمليات العقلية المعرفية. تناول الفصل الأول منها عملية التذكر وأنواعها والنسيان وأسبابه وخصص الفصل الثاني للتفكير ومستوياته وعلاقته باللغة كما أشير إلى عيوب النطق أسبابها وعلاجها وترك للفصلين الثالث والرابع مهمة توضيح غطي التفكير الاستدلالي ،والإبداعي، وانتهى الباب الثاني بفصلين خصص الأول للوعي وحالاته المختلفة في حالة اليقظة وفي النوم وأحلام اليقظة والتنويم المغناطيسي وفي حالة تعاطي المخدرات والكحول، أما الثاني فقد ترك لأشكال الفاعلية النفسية ومستوياتها.
رابط الكتاب
للحصول على نسخة 👈 اضغط هنا