تطور الفكر التربوي في رياض الأطفال
تأليف : أسما الياس - سلوى مرتضى - عيسى علي
نشر : منشورات جامعة دمشق
مقدمة الكتاب
لم تبدأ الدراسات التربوية، التي تعنى بالطفولة، إلا في وقت متأخر من تاريخ التطور الحضاري الإنساني. لقد كانت مجمل الأفكار والمبادئ التي تناولت طرائق تربية الأطفال، عبارة عن رؤية تعكس عالم الكبار في عالم الصغار. فقدمت معظم النظريات الفلسفية و التربوية القديمة، مجموعة من الرؤى التوضيحية والتصورات السلوكية الإجرائية والأساليب والطرائق والإرشادات البيانية، التي يجب أن تتبع في تربية الأطفال. وكلها تدعي بأنها قادرة على رسم الملامح الأساسية لعالم الطفل، وعلى تحديد الأدوار المستقبلية المطلوبة منه، والتي تسعى التربية لإعداده لها.وبقيت هذه النظريات بين مد وجزر الكل كان يحاول أن يقدم حججه وبراهينه على مدى صحة أفكاره، حتى العصر الحديث، حين بدأت الدراسات التربوية، التي تتناول عالم الطفولة تأخذ اتجاهاً علمياً، يتناول المتغيرات الفزيولوجية والسيكولوجية للطفل، وتربطها بمراحل نموه. مؤكدة في الوقت ذاته، على حاجاته الأساسية. ويجب أن تبنى التربية الحديثة وفق هذه الحاجات والمطالب، سواء أكانت اجتماعية تواصلية أم إنسانية تفاعلية أم ذاتية نفسية وغيرها.
لم يعد الطفل في الفكر التربوي الحديث، عبارة عن "صفحة بيضاء" نستطيع أن نكتب عليها ما نريد، أو تلك العجينة اللينة، التي من الممكن أن نصنع منها الشكل الذي نريده إن الطفولة في الفكر التربوي المعاصر ، " عالم قائم بحد ذاته، له خصائصه النفسية والوحدانية الإنسانية والإنمائية الجسدية والاجتماعية، وهو قادر "أكثر من غيره" على أن يحدد حاجاته ومطالبه، وأن يعبر عن ذاته بالطريقة المناسبة .
لقد كانت التربية القديمة ترى في المنهاج أو المعلم، عوراً لأهدافها وممارساتها، جاعلة من الطفل منفعلاً ها لا فاعلاً، على عكس النظريات التربوية المعاصرة، التي ترى في الطفل فاعلاً ومحور أساسياً مهماً في العملية التربوية برمتها.
فمن أجله تبنى المناهج ويعد المعلم وتبنى المدارس وتصنع الوسائل وتصاغ الأهداف... بما يتناسب ومستوى نموه ومراحله المختلفة. إن هذه الاتجاهات الحديثة في التربية فرضت نفسها بقوة في العقود الأخيرة على الساحة التربوية، وأصبح ينظر إلى مرحلة الطفولة كإحدى أهم من مراحل حياة الإنسان، التي علينا الاهتمام بما ورعليتها ، بشكل علمي تربوي حديث.
هنا، جاء هذا الكتاب، ليلقي الضوء على آليات تطور الفكر التربوي، منذ بداياته الأولى، راصداً أهم تحولاته حتى الوقت الراهن. فقد عمدنا إلى استعراض أهم النظريات الفلسفية ، التي تتناول الجوانب التربوية المهمة في حياة الطفل. والحقيقة أن الصعوبة الكبيرة، التي واجهتنا في إعداد هذا الكتاب تتجلى في أن ما كتب عن الطفولة أدبيات التربية" لا يعدو أن يكون مدرجاً، بشكل عرضي، فيما يتعلق بالعملية التعليمية - التربوية برمتها ، فلم تكن الطفولة تلقي اهتمام المربين والفلاسفة، بشكل خاص، وإنما جاءت أفكارهم ومبادئهم التربوية، التي نادوا بها بمثابة توجيهات ونصائح عامة، دون أن تكون هناك نظريات تربوية متكاملة مبنية على أسس علمية ومنهجية
تجريبية صحيحة.
تجريبية صحيحة.
وإذا كانت النظريات التربوية المعاصرة على هذه الدرجة من الدقة والتعقيد، فمما لا شك فيه أنها عصارة الفكر الإنساني الذي مر بتطورات هامة أثرت فيها بشكل واضح التطورات الاقتصادية والسياسية والعلمية ولتوضح مسيرة الفكر التربوي في الشرق والغرب جاء هذا المؤلف الذي يتألف من أحد عشر فصلاً موزعة على ثلاثة أبواب. تناول الباب الأول مفهوم تاريخ التربية وموضوعه وأهدافه ومناهجه ثم تصدى إلى الفكر التربوي في المجتمعات البدائية وأثر اختراع الكتابة ونشوء الدولة في الفكر التربوي مروراً بالفكر التربوي عند المصريين القدماء واليونان والرومان مع التركيز على أهم أعلام كل عصر من عصر من هذه العصور.
أما الباب الثاني فقد درس تطور الفكر التربوي في العصور الوسطى. وجاء في فصلين تصدى أولهما للتربية الإسلامية وازدهارها في هذه الفترة ، أما الأخير فقد عالج التربية الأوربية في العصر نفسه حيث يبين كل منهما الفرق الشاسع بين العصر الذهبي الإسلامي وازدهاره وبين عصر الظلمات في الغرب وتأثير التربية بالظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية السائدة في الشرق والغرب .
وخصص الباب الثالث لتطور الفكر التربوي في العصور الحديثة فجاء في أربعة فصول تناولت النهضة الأوربية وأثرها في تطور الفكر التربوي والتنوير العربي وانعكاساته التربوية على الفكر التربوي، مرورا بالفكر التربوي عند الأوروبيين في العصر الحديث، وعرض هذا الفصل لأفكار أهم أعلام التربية في أوروبا أمثال کومینوس ، بستالوتزي ، فروبل، جان بياجيه ، جون ديوي، مكارنو، مونتسوري . كما وضح كيفية نشوء مفهوم رياض الأطفال ، إذ إنه قبل هذا العصر لم يكن هناك مصطلح واضح ومحدد لمرحلة ما قبل المدرسة والذي تبلور وتحدد بشكل واضح في هذا العهد .
وانتهى الكتاب بفصل اتجاهات تربوية معاصرة في آليات تطور الفكر التربوي وأهم النظريات التربوية وتأثيرات كل منها في العملية التربوية .