الإشراف التربوي
تأليف : صالحة سنقر
نشر : منشورات جامعة دمشق
2019
مقدمة الكتاب
التربية هي السبيل الذي لا غنى عنه لتحقيق الغايات والأهداف التي تسعى لتنمية الثروة البشرية اللازمة لتقدم الأمم وازدهارها وتمكنها من مواكبة التغيرات والتطورات العالمية. وقد اعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقره المجتمع الدولي عام ١٩٤٨ حدثاً مهماً يؤكد حق الإنسان في التعلم، فكان التوسع في التعليم من أبرز الإنجازات الاجتماعية في القرن الماضي، ويشهد عصرنا الحالي دعوات لتطوير نوعية التعليم وتجويده وزيادة كفاءته وتعزيز قدراته على تحقيق أهدافه في إكساب المتعلمين المعلومات والخبرات والمهارات اللازمة، لتمكينهم من التعامل مع تحديات الواقع والمساهمة في تطويره وما يصاحبها من مشكلات والانطلاق نحو مجتمع التعلم، مجتمع المعرفة، لمجتمع التقدم والنماء، والحديث عن الغايات والأهداف والاستراتيجيات التربوية يصبح عبثاً إذا لم يصاحبه تطوير حقيقي في الأداة المنفذة لذلك وهو المعلم.ففي عصر الحتميات التكنولوجية الخارقة تشتد حاجتنا إلى المعلم الإنسان المعلم الذي يعد قدوة فكرية، قدوة اجتماعية، وقدوة تربوية ونفسية. فهو أهم عنصر في مدخلات منظومة التعليم، ونجاح أي نظام تربوي في بلوغ أهدافه يعتمد على مدى جودة مدخلاته وتطور عملياته، ويأتي في طليعتها المعلم، ولذلك عمدت الأنظمة التربوية إلى الاهتمام بإعداده وتوجيهه.
وقد شهد العقدان الأخيران اهتماماً متزايداً في تربيته بسبب التغيرات المتسارعة على جميع الأصعدة ومنها تغير النظرة إلى التعليم والدور الجديد للمعلم، بعد أن تبين أن إعداد المعلم لمدة أربع سنوات جامعية ليست بالمدة الكافية ليكون ناجحاً وكفوءاً، وصاحب مهنة مقدرة، واقتضى ذلك رسم سياسات جديدة لتحديث عمل المعلمين.
وبرز نتيجة ذلك الدور الكبير للمشرف التربوي في تطوير العملية التربوية وتجديدها ودفعها إلى تحقيق الأهداف، لما له من تأثير مهم وأساسي في تقويم أداء المعلم وتحسينه وتشخيص الموقف التعليمي وتحليله وتقويمه في إطار نظرة اجتماعية نفسية عملية تشجع على التواصل البناء وتحقيق التغيير. ولدوره المهم أيضاً في إثارة دافعية المعلم نحو النمو المهني المستمر، وتنظيم تدريبه في أثناء الخدمة، والأخذ بيده في كل ما يحتاجه في أثناء العمل.
ومع تطور العملية التربوية ازدادت أهمية عمل المعلم كما ازدادت أهمية عملية الإشراف التربوي، فالتطورات التقنية والتغيرات المطلوبة في احتياجات المتعلمين تتطلب من المعلم القيام بأدوار جديدة من ذلك مثلاً جعل المتعلمين أكثر دراية باستراتيجية التعلم والوصول إلى مستوى تعلم أرقى يسهم في تحقيق التنمية الشاملة والمتوازنة.
فالإشراف التربوي من العمليات المهمة جداً في النظام التربوي لاسيما في عمليتي التعليم والتعلم الذي لا يقتصر على تقديم التوجيهات للمعلمين، بل العمل معهم لتطوير أو تصميم طرائق تدريس جديدة تمكنهم من الوصول بالمتعلمين إلى المستوى المطلوب، والتي تعني التواصل الفعال بين أطراف رئيسة هي المشرف والمدير والمعلم والمتعلم والأسرة والمجتمع المحلي. فإذا كانت العلاقة بين هذه الأطراف وثيقة ومتينة قوامها الثقة والعمل من أجل الصالح العام تحقق التعلم الجيد الذي يؤهل أفواجاً من المتعلمين الخريجين لخدمة مجتمعهم وبينى .
والكتاب الذي بين أيدينا يتناول موضوع الإشراف التربوي الذي يعد الأداة الأولى في توجيه المعلمين وتدريبهم، وقد هدفت المؤلفة إلى الربط بين الإشراف التربوي موضوع هذا الكتاب وبين كتابها المعنون بـ نظريات التوجيه التربوي، ليتمكن القارئ من الربط بين النظرية والممارسة.
كما حاولت الإحاطة بمعظم جوانب الإشراف التربوي، من حيث مفهومه وما يميزه عن الإدارة التربوية وعلاقته بالقيادة التربوية إلى جانب التجديد التربوي الحاصل فيه، وأنواع الإشراف وأساليبه وتقنياته وطرق تقويم المعلم وأدوات التقويم، وتحليل للتعليم الصف، وخصائص المشرف التربوي وكفاياته كما حرصت على التعريف بواقع الإشراف التربوي المعتمد في سورية من حيث خصائصه وأوجه التطوير فيه.
كما حرصت على أن تكون مادة الكتاب مترابطة متسلسلة، تأخذ بالاتجاهات التربوية الحديثة مما يثري حصيلة القارئ المعرفية وبعد أن كانت المؤلفة قد أصدرت كتاباً بعنوان "التوجيه التربوي وتدريب المعلم" وكان لجامعة دمشق الفضل في طباعته ثماني مرات، وبعد أن اطلعت على ما تم نشره حول هذا الموضوع في المكتبة التربوية العربية والذي جاء محتوى معظمه مألوفاً ومكرراً، ومع أن موضوع الإشراف التربوي حقل واسع جداً، فقد لجأت المؤلفة إلى مدخل شمولي في تناول الإشراف والإحاطة بمعظم جوانبه وأن تضفي عليه لمسات خاصة من خبرتها العملية في التدريس والإشراف والبحث التربوي، فيما يتعلق بالمعلم وإعداده والإشراف عليه، آخذة بالمقولة المعروفة : "ما لا يدرك كله، لا يترك كله"، وأن تقدم الجديد والمفيد في مجال الإشراف التربوي.
وتأمل المؤلفة أن يسد هذا الكتاب بعض النقص في الساحة التربوية في مجال الإشراف التربوي في عالمنا العربي في عصر العولمة والتحديات، وأن يجد الأكاديميون وطلاب الدراسات العليا في كليات التربية والمشرفون التربويون الممارسون الفائدة فيه.