كتاب علم النفس التجريبي

لقد تزامن استقلال علم النفس وتحرره من الفكر الفلسفي، والمنهج التأملي الاستبطاني الذي اهتم بدراسة الشعور ، مع ولادة علم النفس التجريبي، وقد كتب لهذا المولود الجديد أن يخرج إلى حيز الوجود على أيدي عالم النفس الألماني فونت Wandt ، وذلك في مدينة لايبزغ بألمانيا عام 1879.

ولقد نما هذا المولود الجديد وكبر، وانتقل من مجرد الاهتمام بالدراسات السيكوفيزيائية، إلى الاهتمام بالإنسان ككائن ينمو ويتفاعل مع البيئة من حوله باستمرار. ولعل التزاوج الذي حصل بين هذا العلم وعلم النفس الفيزيولوجي وا من الأسباب الرئيسية التي ساعدت على تطوره وارتقائه.

يعتقد المشتغلون في علم النفس التجريبي أن علم النفس هو الدراسة التجريبية الموضوعية للسلوك الإنساني وذلك بقصد اكتشاف القوانين التي تحكم هذا السلوك وتضبطه وانطلاقاً من هذا المعتقد، فإنه لا يمكن إخضاع القواعد والقوانين التي تحكم السلوك الإنساني للآراء والاجتهادات الشخصية التأملية.

وإذا كانت الموضوعات والفروع النفسية المتعددة كلاً لا ينفصل، فإن علم النفس التجريبي هو القاسم المشترك بينها جميعاً، لا بل هو جزء لا يتجزأ من أي منها فهو يتضمن علم نفس التعلم والنمو، وعلم النفس التربوي والاجتماعي والحيواني والمرضي.. إلخ. وأكاد أقول إن علم النفس الآن برمته ينحو نحواً تجريبياً لأن الطرائق والنظريات كما يذكر (لاغاش) تسهم في علاقاتها المتبادلة في بناء صرح علم سيكولوجي يتجه نحو الوحدة.

وفي ضوء ما تقدم، فإن علم النفسي التجريبي، يجب أن يكون من اهتمامات كل باحث أو مشتغل في علم النفس.

ولقد سعيت في هذا الكتاب أن أجمع المعلومات من مصادر حديثة ومتعددة، وأن أعيد تنظيمها بقصد توضيحها وتسهيلها لأبنائنا الطلبة.
وكل ما أرجوه أن يتحقق هذا الهدف، وأن يُكتب لي شرف الإسهام في إغناء مكتبتنا العربية.

هذا، ولا بد من التنويه بادئ ذي بدء، إلى أنني قمت بتقسيم مقرر علم النفس التجريبي إلى جزأين متكاملين، ينطوي كل جزء منهما بدوره على شقين، شق نظري وآخر عملي خاص بالتجارب التي طبقت على الموضوعات النظرية المدروسة في الشق الأول.