علم نفس الصحة
تأليف : رياض نايل العاسمي - ربى سلطان
نشر : منشورات جامعة دمشق
2020
2020
مقدمة الكتاب
يرى الطبيب الإنكليزي توماس سيد نهام Sydenham أن تأثير المهرّج على صحة الفرد، هو أكبر بكثير من تأثير الأدوية الطبية، وهذا لا يتوقف عند هذا الحد بل وله تأثير شافٍ من الأمراض أيضاً، وبالرغم من أن هذه المقولة التي ترجع إلى ثلاثة قرون من الزمن، إلا أن الدراسات الحديثة أشارت إلى أن الضحك أو أي مشاعر إيجابية أخرى لها تأثير كبير على تحسن الحالة الصحية للفرد وشفائه من الأمراض، بل الوقاية منها أيضاً.ومنذ القديم ظهرت اتجاهات متباينة حول العلاقة الجدلية بين العقل والجسد، فقد أشارت بعض هذه الاتجاهات إلى الاستقلال الكامل بين العقل والجسم، بينما أشارت اتجاهات أخرى إلى التفاعل المتكامل بينهما، وخير تمثيل على هذه التكاملية بين العقل والجسد وما تعبر عنه الأسطورة التالية، فقد أخبرنا توماس مان Thomas man في كتابه الرؤوس المستبدلة عن أسطورة هندية توضح كيف يشترك الرأس مع الجسم في تحديد هوية الإنسان وشخصيته على أساس أن الرأس هو عضو النفس والعقل والمشاعر.
إن العلاقة بين الجسد والعقل ليست وليدة الحاضر، لكنها قديمة قدم الإنسانية، ولا يوجد خلاف بين الفلاسفة على مختلف مذاهبهم على واقعية الترابط الوثيق والعلاقة المطردّة بين حالاتنا النفسية وعملياتنا العقلية من جانب، والتغيرات الفيزيولوجية في الجسم ككل من جانب آخر، وظهر نتيجة لهذه العلاقة في العصر الحديث من العلوم التي ترجمت التفاعلية المتكاملة للعقل والجسم، مثل علم النفس الطبي، والطب السلوكي، وعلم الأمراض السيكوسوماتية التي تستخدم في كثير من الأحيان بالتبادل مع علم نفس الصحة.
إن العلاقة بين الجسد والعقل ليست وليدة الحاضر، لكنها قديمة قدم الإنسانية، ولا يوجد خلاف بين الفلاسفة على مختلف مذاهبهم على واقعية الترابط الوثيق والعلاقة المطردّة بين حالاتنا النفسية وعملياتنا العقلية من جانب، والتغيرات الفيزيولوجية في الجسم ككل من جانب آخر، وظهر نتيجة لهذه العلاقة في العصر الحديث من العلوم التي ترجمت التفاعلية المتكاملة للعقل والجسم، مثل علم النفس الطبي، والطب السلوكي، وعلم الأمراض السيكوسوماتية التي تستخدم في كثير من الأحيان بالتبادل مع علم نفس الصحة.
تتأثر الصحة والمرض بمجموعة واسعة من العوامل ؛ فهناك العديد من العوامل السلوكية والنفسية التي يمكن أن تؤثر عموماً على رفاه الإنسان المادي والنفسي والاجتماعي.
وعلم نفس الصحة هو مجال متخصص يركز على كيفية تأثير البيولوجيا وعلم النفس والسلوك والعوامل الاجتماعية بالحالة الصحية والمرضية. كما يركز على تعزيز الصحة فضلاً عن الوقاية وعلاج الأمراض والعلل. ويرى علماء نفس الصحة أيضاً كيف يستطيعون فهم ردود فعل الناس والتعامل والاستشفاء من المرض، لذلك فهم يعملون أي علماء نفس الصحة الإكلينيكي على تحسين نظام الرعاية الصحية، إضافة إلى اهتمامه بالتدريس والبحث والممارسة الإكلينيكية مع المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة كالسرطان، ومرض السكري والإيدز وغيرها من الأمراض التي تسبب الألم النفسي والعضوي، حيث يدرس هذا التخصص في كل مستوى المرحلة الجامعية والدراسات العليا في العديد من الجامعات العالمية.
إن النظر إلى المرض العضوي باعتباره ناتج عن الفيروسات أو الجراثيم أو الكدمات والجروح وغيرها. ولذا يجب معالجته عن طريق الأدوية فقط، ودون أي اعتبار للعوامل الأخرى ويفترض نموذج الطب البيولوحي أن العمليات النفسية والاجتماعية ليست ذات صلة إلى حد كبير بالإصابة بالمرض.
وعلى الرغم من أن هذا النموذج لا يمكن إنكار فائدته في دراسة بعض الأمراض، فقد تكون العديد من الإمكانات مطلوبة لهذا النموذج، بينما الاتجاه الحديث المسمى "النموذج البيولوجي النفسي / الاجتماعي " كما يوحي اسمه، فإن الصحة والمرض في نظره هي العواقب المترتبة على التفاعل من العوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية، لأن العوامل البيولوجية النفسية الاجتماعية تشكل محوراً بارزاً في البحوث السريرية.
تابع القراءة في الصفحة التالية
↚
ولعل أفضل طريقة لفهم النموذج البيولوجي النفسي الاجتماعي هي المقارنة مع نموذج الطب البيولوجي ، الذي يحكم تفكير معظم العاملين في مجال الصحة على مدى السنوات الـ(300) الماضية، ويؤكد هذا النموذج أن كل مرض يمكن تفسيره على أساس العمليات الجسدية المضطربة، مثل اختلالات الكيمياء البيولوجية أو التشوهات العصبية.
لذلك، يركز هذا الكتاب حول مفهوم علم نفس الصحة وأهدافه وفائدته والحاجة إليه في هذا العصر الذي اختلطت وتفاعلت العوامل المسببة للصحة والمرض، ثم الحديث عن العلاقة بين العقل والجسم باعتبار هذه العلاقة أساساً هي تتويج للصحة البدنية والعقلية أو تهديم للصحة النفسي والجسدية نتيجة تأثر كل منهما بالآخر ركز هذه الفصل على النموذج البيولوجي النفسي الاجتماعي وأهميته في توضيح العلاقة بين الصحة والمرض وكيفية ممارسة هذا النموذج التكاملي في التعامل مع الحالات المرضية المزمنة.
وهذا التصور التكاملي يحتاج إلى مبادئ ونظريات تحكمه وتدعمه بالأدلة العلمية والتجريبية، لذا جاء جانب من فصول هذا الكتاب شارحة المعتقدات السلوكية الصحية وأثرها على فهم الحالات المرضية والسوية، وأنماط الشخصية المعرضة للإصابة بالأمراض العضوية، مع التركيز على أساليب أو أنماط الحياة لدى الناس التي تدعم أو تقوض أركان الصحة النفسية والعضوية لدى الفرد، إضافة إلى الحديث عن الإحساس بالألم وطبيعته، وأحداث الحياة الضاغطة وكيفية التعامل معها ...
لكن الضغوط النفسية وأحداث المشقة اليومية إذا لم تعالج بالطرائق العلمية المعرفية فإنها قد تؤدي بصاحبها إلى حالة من الاحتراق النفسي Burnout على اعتبار أن الاحتراق النفسي الذي يعاني منه الفرد يعد الأرضية المهددة لظهور السلوكيات والاضطرابات النفسية المتعددة، سواء كانت هذه الاضطرابات والسلوكيات متجهة إلى الجسم من خلال الأمراض السيكوسوماتية أو متجه نحو الخارج، مثل اضطراب العلاقات الاجتماعية، والعدوانية والشعور بالوحدة النفسية.
يهدف هذا الكتاب إلى تقديم رؤية شاملة حول الموضوعات الرئيسة في علم النفس الصحة الإكلينيكي. مع التركيز على النظريات النفسية التي تدعمها البحوث في مجال الأمراض المزمنة. وعلاوة على ذلك ، فإنه يستخدم العديد من المفاهيم النفسية الرئيسية، مثل : المعتقد الصحي، والسلوك الصحي، والقولبة، والهوية الذاتية، والإدراك المخاطر والمرض، والكفاءة الذاتية والإدمان. كما يصف هذا الجزء العديد من هذه النظريات التي تكشف عن كيفية استخدامها لشرح الوضع الصحي والسلوكيات المرتبطة بالصحة، مثل: نماذج الإدراك الاجتماعي ونظريات المرحلة.
لذلك يتم وصف هذه النظريات بالتفصيل في الفصل الثاني. كما يركز على المسار غير المباشر بين علم النفس والصحة والدور الذي يمكن أن تؤديه المعتقدات والسلوكيات في الصحة والمرض .
ويتألف الكتاب من اثني عشر فصلاً هي الآتية: الفصل الأول تناول مفهوم علم نفس الصحة الإكلينيكي وعلاقته ببعض المفاهيم المرتبطة به، إضافة إلى الحاجة إلى هذا العلم وأهدافه. ثم الحديث عن العلاقة بين العقل والجسم، والذي تم ترجمة ذلك من خلال المقارنة بين النموذج البيولوجي التقليدي والنموذج البيولوجي النفسي الاجتماعي التكاملي الذي ينظر إلى الصحة والمرض من خلال رؤية كلية متكاملة ضمن وحدة العقل والجسد والبيئة المادية والاجتماعية.
وتناول الفصل الثاني المعتقدات والسلوكيات الصحية، وكيف يفسر الناس مرضهم وصحتهم بناء على تلك المعتقدات، وقد نتج عن ذلك العديد من النظريات أو النماذج المتعلقة بذلك، مثل نموذج المعتقد الصحي، ونظرية الفعل المخطط، ونموذج الفعل المسوغ أو العقلاني. وجاء الفصل الثالث ليتناول إدراك المرض ومفهومه نفسياً وبيولوجياً، والنظريات التي تفسره وعلاقة المرض العضوي بالحالة الانفعالية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية للفرد.
أما الفصل الرابع فعالج أنماط الشخصية وعلاقتها بالمرض العضوي أو النفسي، وهل هناك نمط معين من الشخصية له نمط محدد من الاضطرابات النفسية والأمراض العضوية، ثم جاء الحديث في الفصل الخامس حول أساليب السلوك وعلاقتها بالصحة والمرض. أما الفصل السادس التواصل بين المعالج والمريض ودور المعتقدات الصحية لدى خبراء الصحة.
أما الفصل السابع ، فتطرق إلى الإحساس بالألم والتعامل باعتباره القاعدة والأرضية لكل المشكلات العضوية والنفسية التي يعاني منها الإنسان. بينما تناول الفصل الثامن سلوكيات الأكل وأثرها على الصحة والمرض، أما الفصل التاسع فعالج أمراض القلب والشرايين. بينما تناول الفصل العاشر الأمراض المزمنة وكيفية الوقاية منه.
أما الفصل الحادي عشر فتناول أساليب الدعم النفسي والاجتماعي لمرضى الأمراض الجسدية وكيفية التعامل معها نفسياً. وختم الكتاب في الفصل الثاني عشر بالحديث عن مستقبل علم نفس الصحة في حماية الأفراد من الوقوع في براثن المشكلات النفسية الناجمة عن الأمراض الجسدية والعادات الصحية غير السوية مثل اضطرابات الأكل وأمراض القلب والشرايين وغيرها والتي تؤثر على الصحة النفسية للمرضى الذين يعانون من هذه المشكلات الصحية .
رابط الكتاب
للحصول على نسخة 👈 اضغط هنا