كتاب من الملكية الفكرية إلى الذكاء الاصطناعي

نسخة الكترونية معدلة
2023

مقدمة الكتاب

اختلف المفكرون منذ القدم في تقييمهم لقدرة التقنيات على تحويل المجتمع. فمنهم من أن المجتمع هو منشأ التقنية وعباد الله صانعوها، ومنهم من يرى أن المحيط التقني هو محرك التجمعات البشرية ومحدد أشكالها. ورغم ذيوع الرأي الأول لكون الإنسان هو فعلا مبدع ومحرك التقنية، والتي، بالإضافة إلى ذلك، لن يكون لها وجود تاريخي ولا تعمير معتبر دون تبنيين اجتماعي وجماعي لها، فإنه لا يمكن إغفال البعد الحدثي المقدر لبعض المستحدثات والمخترعات التقنية: تفاحة الجاذبية، المحرك الانفجاري... والتي أنتجت ولا زالت تنتج تحولات اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية معتبرة.

وعلى كل يجب الفصل بين التقنيات العادية والتقنيات التي أحدثت ثورات اجتماعية نوعية. وتعتبر "تكنولوجيا الإعلام والاتصال "الجديدة (NTIC) من النوع الثاني، حيث أدت إلى ظهور ما يسمى بمجتمع المعلومات فمجتمع المعرفة وما صاحبهما من إشكالات قانونية وأخلاقية وثقافية وسياسية واجتماعية واقتصادية وبيئية ....

وهو الأمر الذي يعيد إلى الأذهان حداثة اهتمام الدراسات الإنسانية بأثر "تكنولوجيا الإعلام والاتصال "الجديدة على المجالات المجتمعية المختلفة شكلا ومضمونا محليا ودوليا، حاضرا ومستقبلا وعلى جميع الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية.

وللمساهمة في مناقشة أهم القضايا المتعلقة بهذه العوالم المعاصرة والمستقبلية، وكذا في دفع عجلة التحكم في تطبيقات تكنولوجيا الاتصال واستيعاب إجراءاتها العملية الدافعة أو المحسنة لحركية المجتمع، جاء هذا القسم من العمل المتواضع الذي كان من بين مقاصده التأكيد على نجاعة هذه التكنولوجيات الجديدة للإعلام والاتصال في عصر معلوماتي معولم وسريع التطور مقوده بيد دول من خارج فضائنا الحضاري. 

فبعد أن ركزنا في مؤلف أول على عرض المفاهيم الأولية لهذه التكنولوجيات الجديدة تطورها التاريخي مبادئها وآثارها مجالات استعمالها وبعض آفاقها ورهاناتها المستقبلية، وفي مؤلف ثان على أهم تطبيقاتها التقنية... خصصنا هذا العمل لمناقشة أهم قضاياها وإشكالاتها المعاصرة: حقوق التأليف والملكية الفكرية حماية الحياة الخاصة، العنف، العوالم المظلمة للإنترنت الفجوات الرقمية العولمة وتكنولوجيا الاتصال الدولي، الديمقراطية الإلكترونية، المدينة الافتراضية البيئة والتنمية المستدامة ...

هذا ما تيسر لنا عرضه بطريقة متفاوتة كما ونوعا من قضايا وإشكالات معاصرة أثارتها أساسا "تكنولوجيا الإعلام والاتصال الجديدة وهي بالطبع ليست جامعة ولا مانعة (لا عددا ولا مضمونا)، بل قابلة للأخذ والرد وللإثراء في البعدين نرجو أن يكون عرضها على الأقل مثيرا للنقاش ومحركا للضمائر .

ولكن قبل ذلك، وحتى لا نضيف مبحثا مفهميا ممهدا لعرض هذه الإشكالات المعاصرة سبق تقديمه في مؤلفين سابقين، تجدر الإشارة هنا وبإيجاز لمفهوم هذه التكنولوجيات. فهي، كما هو معروف، تجمع بين ثلاثة مجالات تقنية الاتصالات عن بعد السمعي البصري- الإعلام الآلي، بحيث تنتج عن تقاطعها: المعلوماتية عن بعد (Telematic) وعن إدماجها: الوسائط المتعددة (Multimedia) .